فرجال...news
ثائرة اكرم العكيدي/ كاتبة وباحثة
يتطور الصحفي حول العالم بسرعة تواكب تطور أدوات الصحافة ونقل الخبر وإيصال المعلومة فضلاً عن سرعة تطور الحدث حتى أصبح العالم يعتمد بشكل قد يكون كلي على (الإعلام الإلكتروني الرقمي).
يدور في أحاديث الصحفيين وتعبيرهم عن تطورات المهنة في العصر الرقمي أن الصحافة الجادة والمهنية باتت تحتضر وأنها أقل انتشاراً وأن المستقبل قاتم في ظل عدم اهتمام الجمهور بالمحتوى الإخباري. وهذا الادّعاء يتم التدليل عليه حين يقارن انتشار المحتوى الصحفي مع بقية أنواع المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي
ومع انتشار الإنترنت خاصة على الهواتف الذكية وزيادة شعبية مواقع التواصل، فمن الضروري على كل الصحف ووسائل الإعلام الاستفادة من تلك القنوات للوصول للجمهور الأوسع. لكن ما حدث قبل سنوات هو أن البعض تصور أن الرقمنة تعني تغيير أصول المهنة وللأسف مجاراة السطحية والإثارة التي تميز نميمة مواقع التواصل. وكانت النتيجة أن ضعفت الثقة الجماهيرية في الصحافة والإعلام عموما مع زيادة جرعات التضليل والحقيقة البديلة ومزج الرأي بالمعلومة وغالبا ما يكون الرأي إما تفسيرات مؤامرة أو تلفيق صريح
والإعلام الرقمي من التخصصات الجديدة وقد طرح في عدد من الجامعات العالمية في أوروبا وأمريكا فضلا عن الدول العربية.
وظهر التخصص لحاجة السوق العالمية والعربية لخريجين متخصصين في مجال الإعلام الإلكتروني بعد أن أصبح هو المسيطر على السوق الإعلامية وبعد تحول العديد من الصحف العالمية من صحف ورقية إلى صحف إلكترونية.
وكون العراق من أهم مناطق التوتر في الشرق الأوسط فهو جاذب لأغلب قنوات نقل الخبر حول العالم ففتحت العديد من المؤسسات الإعلامية العالمية مراكز لها في البلاد فضلاً عن تأسس العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية لكنها ما زالت تعتبر متأخرة في مواكبة تطور الإعلام.
على المؤسسات الثقافية والاعلامية دفع الصحفيين الرواد المهنيين الذين لديهم قدرة الكتابة والعمل الصحفي لكي يلحقوا بالركب ويكونوا صانعي محتوى ومبدعين ولا تتخلى عنهم المؤسسات الإعلامية بسبب وجود مدون صغير أو مبدع محتوى أو منتج قادر على التعامل مع التقنيات الحديثة.
أن البيئة الإعلامية والصحفية في العراق عصف بها تلوث متعدد الأبعاد سياسي وفكري ومادي جعلت أغلب العاملين بالمجال الإعلامي مغيبين عن جوهر ورسالة العمل الصحفي والإعلامي.
لقد غزت بطالة صحفية العراق منذ 2003 وذلك بسبب الهوس في مجال الإعلام وفي كل صنوفه حتى أصبح بعد اكثر من 20 عام جيش من العاملين في الصحافة.
أن الترهل والبطالة الصحفية بدأت بالظهور بحلول عام 2014 بعد الأزمة الاقتصادية وأنغلاق بعض المحطات والقنوات وتسريح الموظفين العاملين فيها وما تبعها من أزمة اقتصادية عصفت بالبلاد.
وضعف التعليم في الجامعات والأفتقار لمؤسسات التدريب والتطوير في البلاد أدت إلى ظهور جيل إعلامي ضعيف يفتقر للمهنية الصحفية وأن التطوير في المجال الصحفي أصبح مسؤولية شخصية.
اغلب المؤسسات لا تساعد ولا تشجع على التطوير وحتى في اغنى المؤسسات الإعلامية تجد هناك ركاكة وضعفا في العمل الصحفي فضلاً عن انعدام القوانين الحامية لحقوقه.
ولعل من أسباب تراجع مهنة الصحافة في العراق كونه واحداً من أخطر البلدان بالنسبة للصحفيين إذ وضع جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة في عام 2021، العراق بالمرتبة 163 من أصل 180 دولة.
علينا اليوم إنشاء وسائل إعلام وأكاديميات تعمل على تطوير العمل الصحفي في العراق داعياً الجهات المسؤولة محاسبة المتطفلين والمبتزين في هذا المجال ممن يسوء للصحافة.
العراق اليوم يعاني من مشكلات كبيرة جدا وتحديات كثيرة، كالمشكلات المالية والتمويل والاستدامة في المؤسسات الإعلامية، مما أدى إلى تسريح العاملين والصحفيين الذين لا يملكون مهارات رقمية، على الرغم من قدراتهم الصحفية الجيدة.
اليوم الإعلام الرقمي بكافة وسائله و آلياته يعتبر أحد أبرز وأهم وسائل صناعة الرأي العام في مختلف الأصعدة التي يتناولها إذ يتيح بخاصياته التفاعلية المختلفة لعملية التوجيه أن تحقق أهدافها و الذهاب بعيدا لتكوين رأي عام مدني متحضرا مشكل من خلال متطلبات حرية التعبير الرقمية و هي الثلاثية العلم و الديموقراطية و الحرية التي يتفاعل المجتمع وخاصة الشباب في ظلها من جهة أخرى، في ضوء قدرته على إيصال المعلومة على أسس سليمة من خلال رسائل مباشرة أو برامج و تطبيقات ذكية تكرس للهدف بصورة غير مباشرة.
تؤدي وسائل الإعلام بشتى أنواعها دوراً كبيراً في تشكيل الوعي المجتمعي لدى قطاع كبير من الأفراد من صحفيين والإعلاميين من جهة والمجتمعات من جهة ثانية سواء أكانت الرسالة سلبية أم إيجابية فالإعلام سلاح ذو حدين إما أن يسهم في تعزيز وترسيخ القيم والعادات السليمة وإما أن يكون معول هدم لها ومن هذا المنطلق يقع على عاتق القائمين على هذه الآلة في عالمنا العربي والإسلامي دور كبير في انتقاء ما يعرض في شتى وسائل الإعلام من إذاعة أو تلفاز أو غيرهما.
ومع الاعتماد المتزايد على الإنترنت أصبحت منصات التواصل الاجتماعي تؤدي دوراً رئيساً في بناء الوعي وصارت ركناً أساسياً للتواصل اليومي واستقبال المعلومات بالنسبة لكثير من الأشخاص في العالم، فهناك من يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للترفيه وتقضية الوقت وربما لإضاعة الوقت، وآخرون أدركوا مدى قوة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي فاستخدموها بشكلها الإيجابي الفعال.
فواجب هذه الوسائل نحو المجتمع هو بنـاء وعـي جماهيري وتوجيه المجتمع نحـو انتقـاء المحتـوى الإيجـابي القيـم والمفيـد، وتشـجيع أبنائه عـلى المشـاركة في تقديـم وتطويـر محتـوى متميـز، واسـتخدام التكنولوجيـا الحديثـة في إيجـاد مضامـين إعلاميـة مبتكرة وذلـك بهـدف الضبـط الإعلامـي وبنـاء الـذوق العـام للمجتمـع والارتقـاء بمنظومـة القيـم والأخـلاق فيه .ويجب على النشطاء أن يتحلوا بالأمانة فيما يطرحون وألا ينشروا الإشاعات التي من شأنها تزييف الوعي وهدم كيان المجتمع، وأن يجعلوا من أنفسهم رقباء على ما يعرضون ويكتبون حتى لا نعيش في دوامة من التخبط واللامصداقية التي من شأنها أن تضر بكيان الدولة وبالتالي تنعكس سلباً على الفرد والمجتمع.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن دول عربية بجميع مؤسساتها الإعلامية من إذاعة وتلفاز وقنوات فضائية ومنصات إعلامية ومواقع تواصل اجتماعي مارست دوراً مهماً وبارزاً في غرس القيم والأخلاق والمحافظة على عادات وتقاليد الذي ينتمي مواطنيها لتلك المجتمعات إلى جانب صناعة منظومة إعلامية محافظة تقدم نموذجاً ومثالاً للدور الذي ينبغي أن تكون عليه وسائل الإعلام في عالمنا المعاصر.
إجمالا يمثل التحول الرقمي في الإعلام والصحافة فرصة ذهبية للنمو والابتكار لكنه يتطلب من المؤسسات الإعلامية التكيف مع هذه التحديات عبر تبني التكنولوجيا الحديثة والاستثمار في تطوير الكفاءات، وتقديم محتوى عالي الجودة يجذب الجمهور ويعزز الثقة، وتطوير نماذج أعمال مبتكرة ومستدامة، والالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية لمواجهة الضغوط التقنية والاجتماعية.
ولذا مع تطور بيئات التحول الرقمي أصبح واجباً على المؤسسات الإعلامية والصحفية التقليدية البحث عن كل الوسائل لتحسين جودة تقديم المضامين وزيادة الكفاءة وتوفير التكاليف وتبني رؤية أوسع تتيح الابتكار المستمر للمستحدثات التكنولوجية بشكل يلبي الاحتياجات المعرفية المتغيرة للمستخدمين...