فرجال...news
في عالم أصبح فيه الفكر هدفا للاستحواذ وأداة للهيمنة لم يعد اغتصاب العقول مجرد نظرية مؤامرة بل صار واقعا ملموسا تتعدد أشكاله بين غسل الدماغ والسيطرة النفسية وإبادة الوعي بطرق ممنهجة وناعمة لا يشعر بها الضحية حتى يصبح جزءا من المنظومة التي برمجته وأعادت تشكيل إدراكه وفق ما تريده السلطة أو المؤسسات الإعلامية أو حتى الشركات الكبرى
منذ اللحظة التي يولد فيها الإنسان تبدأ عملية التشكيل الأولى حيث يكتسب أفكاره الأولى من عائلته ومجتمعه لكنه سرعان ما يجد نفسه داخل شبكة ضخمة من المؤثرات التي لا تترك له مجالا للتفكير المستقل فالتعليم الموجّه والإعلام الموجه والدين المسيّس والخطاب الرسمي جميعها أدوات تساهم في صناعة عقل جماعي يخضع لنفس الأنماط الفكرية دون تساؤل
غسل الدماغ ليس مشهدا من أفلام الخيال العلمي بل هو عملية متدرجة تبدأ بالعزل عن مصادر المعرفة المستقلة ثم التكرار المستمر للرسائل الفكرية حتى تصبح حقائق لا تقبل الجدل ولا تنتهي عند هذا الحد بل تتطور إلى تلاعب نفسي معقد حيث يُشعر الضحية بأن أي محاولة للخروج عن هذا الإطار تعني العزلة أو الخيانة أو حتى العقاب القاسي سواء كان معنويا أو جسديا
من أخطر الأساليب المستخدمة في السيطرة على العقول خلق بيئة من الخوف المستمر فحين يخاف الإنسان يكون أكثر قابلية لتقبل الأفكار المفروضة عليه لأنه يبحث عن الأمان حتى لو كان هذا الأمان زائفا فالخوف يقتل التساؤل ويشل التفكير النقدي ويجعل الفرد يفضل البقاء داخل القطيع حتى لا يتعرض للخطر فيصبح جزءا من منظومة القهر وهو لا يدري أنه الضحية
ولم تعد السيطرة على العقول محصورة في الحكومات والأنظمة القمعية بل امتدت إلى الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي حيث ظهر نوع جديد من التلاعب يعتمد على التأثير المباشر بصنّاع المحتوى الزائف خصوصًا أولئك الذين يروجون للتحفيز السطحي دون تقديم حلول واقعية أو استراتيجيات عملية هؤلاء لا يرشدون متابعيهم إلى العقبات التي سيواجهونها في طريق النجاح بل يبيعون لهم وهْمًا مغلفًا بالكلمات البراقة والمثالية الفارغة
في عصر السوشيال ميديا أصبح النجاح سلعة يتم تسويقها بطريقة استهلاكية حيث يُختزل في عبارات مثل آمن بنفسك وكل شيء سيتحقق أو التفكير الإيجابي سيغير حياتك دون الإشارة إلى ضرورة التخطيط والعمل الشاق والتحديات التي ستقف في الطريق يتابع الملايين هذه المحتويات ويتأثرون بها لكنهم يصطدمون بالواقع عندما يكتشفون أن الطريق ليس مفروشًا بالورود وأن مجرد التحفيز العاطفي لا يكفي لتحقيق الإنجاز
إن المشكلة لا تكمن في التحفيز بحد ذاته بل في تسويقه كحل سحري يتجاهل الجوانب الحقيقية للنجاح مثل الفشل المتكرر والتعب والانضباط الذاتي والمخاطرة والعمل الدؤوب على مدى سنوات إن تقديم صورة زائفة عن النجاح يخلق أجيالًا تعتقد أن مجرد التفكير الإيجابي كافٍ وعندما تصطدم بالواقع تفقد الثقة بنفسها وتدخل في دوامة من الإحباط والشعور بالعجز
لا تكتفي الأنظمة القمعية والمؤسسات المسيطرة بفرض الأفكار بل تسعى إلى إبادة الوعي تماما من خلال منع التعليم النقدي وتشويه المفكرين وإغراق العقول في فوضى المعلومات بحيث يصبح من المستحيل التمييز بين الحقيقة والزيف وعندما يصل الإنسان إلى هذه المرحلة يفقد قدرته على التفكير المستقل ويصبح مجرد ناقل للأفكار دون أن يعي خطورتها
لكن هل يمكن مقاومة هذه السيطرة أم أن العقل البشري محكوم بأن يكون مستعبدا لمؤثرات أكبر منه الإجابة تكمن في استعادة القدرة على التساؤل والشك والتحقق من المعلومات وعدم القبول المطلق لأي فكرة دون تفكير واعي كذلك يجب البحث عن مصادر متنوعة للفكر والابتعاد عن القوالب الجاهزة لأن الحقيقة ليست دائما ما يُعرض لنا على الشاشات أو يُكتب في المناهج أو يُقال في الخطب الرسمية بل غالبا ما تكون مخبأة بين سطور لم يُسمح لنا بقراءتها
إن استعادة العقل ليست مهمة سهلة لكنها ضرورية فمن يترك عقله للغير ليشكلونه كما يشاؤون لن يكون أكثر من ترس في آلة ضخمة تحركه المصالح والقوى الكبرى دون أن يدرك حتى أنه قد تم اختطافه منذ زمن طويل
مودتي
#حرية_الفكر #استعادة_الوعي #لا_لغسل_العقول #سيكولوجية_السيطرة #خرافة_التحفيز #لا_لتزييف_النجاح #علي_يوسف_الربيعي