الاهوار تاريخ عراقي..وخزين مائي..بقلم د، ثائرة اكرم العكيدي

ادارة الموقع نشر في 2025-05-12 08:09:21 عدد زيارات الموضوع 30

فرجال..news
الاهوار.. تاريخ عراقي ..وخزين اقتصادي ..
ثائرة اكرم العكيدي /كاتبة وباحثة
تُمثل الأهوار العراقية اكبر نظام بيئي للأراضي الرطبة (wet land) من نوعه في الشرق الأوسط وغربي آسيا
هي جنة عدن القديمة كما شبهها البعض أرض بالغة العطاء، اشتهرت منذ القدم بثرائها التاريخي والاجتماعي والبيئي منقطع النظير، فهذه المنطقة كانت تمد الشعوب المحيطة بمعظم احتياجاتها من الغذاء، وهي قبل ذلك كانت مصدر إشعاع ثقافي وفكري على العالم أجمع من خلال واحدة من أقدم الحضارات الإنسانية التي شهدت مولدها تلك المنطقة.
وهي تتألف من مجموعة من بحيرات وأراضي مستنقعية متصلة مع بعضها
في الجزء الأدنى من حوض دجلة والفرات ،امتدت تاريخيا على مساحة أكثر من 20000كم2 من العراق وإيران. كما إن الأهوار في جنوب العراق تمتلك تاريخا طويلا يمتد لأكثر من 5000 سنة ولها أهمية بيئية بالغة كونها تشكل طريق لعبور الطيور المهاجرة ما بين القارات ومستودع ساند لاستمرارية مناطق صيد أسماك المياه العذبة حيث تشكل مفاقس وحضانة مثالية لأنواع الأسماك العذبة وحتى البحرية وهي ايضا تدعم النظام البيئي البحري والحياة البحرية في الخليج العربي وتقوم بحماية أنواع الحيوانات المهددة بالانقراض بتوفير التغذية والملجأ والتكاثر وهنا تعتبر تراثا إنسانيا لا مثيل له وقد كانت موطنا للسكان الأصليين منذ 5000 سنة السومريين (أور)(اريدو)(لجش).
لقد ساهمت الأهوار بالتخلص من الملوثات المائية من خلال ترسيبها وتمثيلها بدورات الحياة الطبيعية للمغذيات والكائنات النباتية والحيوانية بالشبكة الغذائية وقد أدى وجود الاحتياطات البترولية فيها والنزاعات العسكرية إلى وضعها أمام تحديات كبرى لإدامة نظامها البيئي واستثمار مواردها للنمو والتطور.
وتشهد تلك المناطق جفافا حادا كل عام بسبب قلة الأمطار في موسم الشتاء الماضي، يُضاف إلى ذلك تعدي دول الجوار على حصص العراق المائية، وغلق روافد نهري دجلة والفرات التي تنبع من أراضيها.
وفيما تقيم تركيا سدودا بشكل مطرد، تحوّل إيران مجرى الأنهار فلا تصل إلى العراق وقد قطعت نهر الكرخة الذي يصب في هور الحويزة فباتت نسبة واردات المياه إليه صفرا.
ومن جهة اخرى فأن وزارة الموارد تعتبر أن الأهوار مناطق ثانوية الاهتمام، فليس من أولوياتها الحفاظ عليها واعطائها كميات مياه كافية، كما أن الخطة الزراعية غير منصفة لأنه ليس فيها توزيع لحجم الضرر بين المدن المتشاطئة.
اتذكر والدي رحمه الله روى لي قصة ذات يوم عن منطقة اسمها تل (حفيظ) وهي منطقة يقع حولها هور وسمي على اسمها. يقول والدي انه عندما جاء الرحالة الإنجليزي ويلفريد ثيسيجر الى العراق ذهب الى الجنوب ووقف فجرا عند تلة على حافة الأهوار العراقية في فبراير عام 1951 لمح على سطح المياه ظلال أرض بعيدة بدت له داكنة وخلفها أشعة الشمس تساءل حينها باندهاش إن كان أمام جزيرة (حفيظ)الأسطورية.
تسمر ثيسجر في مكانه بعض الوقت مترقباً لتأتي الإجابة عن سؤاله حين علا قرص الشمس ليتبين أن ما رآه ليس إلا حقل قصب كبير على ساحل الماء. لم يكن وحده المشغول بحكاية (حفيظ) إذ احتلت خيال كل من وطأت قدماه أراضي الأهوار الممتدة على مساحات واسعة جنوبي العراق. هناك حيث يعتاش السكان على تربية الجاموس وصيد السمك ويتسامرون في الليل حول دِلال القهوة وأباريق الشاي فيروي كل منهم قصصاً متوارثة من أساطير يصل عمرها آلاف السنين.
تلك القصص كانت وما زالت تسيل لعاب الباحثين عن الذهب والثروة وتثير مخاوف سكان الأهوار الذين يتجنبون العبث مع التلال الأثرية؛ خشية لعنة العمى أو الجنون.
شَكلت المرويات بحقائقها وخُرافاتها التراث الشفوي المتناقل بين سكان الأهوار والتقطها الرحالة والمستكشفون المهتمون بتاريخ المنطقة منذ أواخر القرن التاسع عشر، حتى سبعينيات القرن الماضي.
أما منطقة (حفيظ) فتقول المرويات إنها (جزيرة) في عمق الأهوار الوسطى ما تزال موجودة حتى الآن، إلا أنها مخفية بالسحر عن عيون البشر، وتحتوي الكثير من الكنوز والأحجار الكريمة وفيها أشجار مثمرة تحمل ما لذّ وطاب من الثمار تحرسها مخلوقات مرعبة وقد قيل عن حفيظ إنها جنة عدن. وحسب المرويات الشفوية كانت الجزيرة في ليالٍ معينة تشع بالوهج البادي للعيان من على بعد أميال عديدة وقد بدت أنها تتحرك كخيوط دخان كبيرة الحجم يستعصي على أحد أن يتعقبها رغم كل المحاولات.
لكن ما هي الحقيقة ؟
الحقيقة هي ان (حفيظ) تقع ضمن محافظة ميسان في منطقة تحتوي على بقايا مدن من فجر التاريخ غمرتها المياه يُعثر فيها بين الحين والآخر على لقى أثرية متنوعة وآثار طرق ممهدة تظهر كلما انحسرت المياه وتعود للاختفاء تحت مياه الفيضانات الموسمية ما يشكل أحياناً إثباتاً لقصة الكنز المفقود الأسطورية بالنسبة للسكان والزوار.
هذه الجزيرة ربما تشبه قصتها قصة جزيرة البرازيل الأسطورية.
ونكرر إنها قصة أسطورية يتناقلها سكان الأهوار حتى هذه اللحظة
لذا فأن بيئة الأهوار ساهمت ومنذ بواكير الحياة البشرية في صنع عناصر ومقومات الحضارة التي انتقلت من خلالها البشرية إلى العصور التاريخية مثلما تؤكد ذلك الشواهد الإثارية ففي الأهوار أقيمت أولى المدن المسورة مثل أوروك واريدو وأور ولكش. وفي الأهوار اخترعت الكتابة لأول مرة في تاريخ العالم إيذانا بانطلاق تاريخ العالم المدون ومنها أيضا بدأت أنظمة الحكم والقوانين والشرائع والفنون والصناعة والري والزراعة والمعتقدات الدينية والآداب والموسيقى ، ولهذا فقد اختيرت لتكون ضمن لائحة التراث العالمي ليس لأنها مسطحات مائية عذبة وموطن لأصناف نادرة من الطيور والأسماك والنباتات، بل لان التراث الثقافي في الأهوار يمثل امتداد لثقافة عراقية قديمة بدرجات منذ الألف الخامس قبل الميلاد ولازالت مستمرة
اشهرت منطقة( حفيظ) عربياً وعالمياً جعل منها مصدراً لجذب السواح ومحبي المغامرة والغموض من كل انحاء العالم وفعلاً قد زارها الكثير من الأجانب نهاراً فقط ومن دول مختلفة لكن الخدمات سيئة لا ترقى لمستوى الطموح فالسائح بحاجة الى الشعور بالأمان وتوفر الفنادق والمطاعم الجيدة وانسيابية النقل جيئةً وذهاباً ، وهو بحاجة الى أدلاء أو مرشدين ومترجمين ، ما يوفر فرص عمل كثيرة للمنطقة التي تعاني من الفقر وقلة فرص العمل ، كما ويأتي هنا دور الإعلام والإعلان الترويجي ، إذا علمنا إن أغلب العراقيين لم يسمعوا بها قط بسبب الاهمال الإعلامي وتغاضي النظر إلا ما ندر .
هناك مشاكل عديدة يعاني منها سكان تلك الاهوار في مقدمتها انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية وسوء الأحوال المعيشية الصعبة وقلة مياه الشرب، فضلا عن الأمراض التي تفتك بالبشر والحيوانات .
الاهوار التي فقدت 80% من الجاموس فيها نتيجة لقيام المتنفذين بتحويل انهار من الاهوار الى أراضيهم الخاصة بشكل غير قانوني، وباستخدام سلطتهم العشائرية.
الكثير يخاف مستقبلا ان تتحول ازمة الاهوار الى كارثة بفعل الفساد فان العراق ما يزال غير آبه بالتصحر وجفاف الأنهار والحفر غير القانوني للحصول على المياه الذي أدى الى اختفاء بحيرة ساوة.
هل سنشهد قريبا عراق لهجرة عشرات الاف من المزارعين من القرى والارياف الى اطراف المدن بعد فنائها
طبعا الهجرة الكبيرة ستؤدي الى مشاكل امنية وكارثة إنسانية"، موضحةً أن ‘‘دخول عشرات الالاف الى المدن التي تعاني من الأساس من انهيار في بناها التحتية وانتشار الأسلحة والمنافسة على المياه سيؤدي بالنتيجة الى صراع كبير يهدد مستقبل البلاد .
اكيد هناك بدائل يمكن العمل عليها لإنعاش الأهوار ومن بينها الاستفادة من مياه المبازل، وإعادة تنقية مياه الصرف الصحي وضخها في الأهوار بالإضافة إلى ضرورة التفاوض مع دول الجوار للمساهمة في حماية الأمن المائي العراقي.
الاهوار اليوم فقدت قيمتها البيئية والاقتصادية مع فقدانها المياه وسكانها يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة، وعلى الرغم من كون الأهوار تشكل هوية وطنية، إلا أنها لم تشهد أي مشروع تنمية أو استثمار حقيقي يواجه المخاطر التي تعيشها.
اهوار العراق اليوم هي واحدة من إحدى عشر مصنفة عالمياً من المناطق المائية غير البحرية في التصنيف العالمي على أنها من مناطق استيطان الطيور وعلى سبيل المثال فهي تزود قطاع العالم لتلك الكائنات بنوعين من الكائنات وهما الطائر المغرد لقصب البصرة والطائر العراقي الثرثار
ايضا هناك عدد كبير من كائنات الأهوار من فصيلة نوع من الاسماك تسمى الشبوطيات وهذه النوعية لها أهمية كبيرة لدراسة نظرية التطور للحيوانات المائيه .
إن اهتمام الدولة في مثل هكذا مجال واستثماره وتشجيع الشركات لبناء مشاريع وفنادق ومنشأة سياحية ومدن العاب ومدن مائية سوف يشجع الأيدي العاملة والخبرات الفنية في هذا المجال الى التوجه إلى هناك لإيجاد فرص عمل وسوف يتحول جنوب العراق الى منطقة سياحية أسوة بشماله.وسوف نجد اغلب أصحاب رؤوس الأموال العراقيين والعرب وخاصة الخليجين لزيارة هكذا اماكن ترفيهية .
ويمكن القول أن الجهود التي بذلت لإدراج الأهوار جنوب العراق على قائمة التراث العالمي فتحت آفاقا جديدة وواعدة لاستعادة الحياة لهذه الأهوار الجميلة في كل الميادين. وهو ما يتطلب رسم سياسة شاملة لتطوير المنطقة واستكمال البنية التحتية للاستفادة من هذا القرار في إعادة الأهوار وتطويرها وضمان استدامتها بشكل سليم..

مواضيع قد تعجبك