فرجال..news
كتب احدهم من المتحاملين
قرأت ما كتبه طبيب الامراض الجلدية خ م ضد الفنان كاظم الساهر ومعجبيه، والذي قال فيه: “أنا الوحيد الذي لا أرى في أغاني كاظم الساهر أي جملة لحنية جذابة، وأشعر أن موسيقاه مملة، وأغانيه عادية، وأن كلمات نزار قباني والكبت العاطفي لدى البنات هي التي انقذت كاظم!”.
لا بد من التوقف هنا، ليس دفاعا عن الساهر فحسب، بل دفاعا عن الذوق العام وعن الجمهور الكبير الذي اختزله الطبيب بهذا الشكل الساخر والمتحامل.
ان الذوق الفني ليس مسألة رياضيات، وليس شيئا يمكن احتكاره بادعاء أن صاحبه هو “الوحيد الذي يرى"، وكأننا أمام فتوى لا تقبل المراجعة. لكن حتى ضمن الذوق، هناك ما يسمى بالموضوعية في تقييم التجارب، ومن الواضح أن كلام هذا الطبيب غاب عنه الحد الأدنى من الموضوعية.
والساهر ليس مجرد ملحن، بل مؤسس لمدرسة لحنيّة حديثة في الغناء العربي، مزجت بين الكلاسيكي والحديث والمعاصر، بين التخت الشرقي والإيقاع الغربي، بين البساطة والعمق.
خذ على سبيل المثال لحن أغنية “زيديني عشقا” أو “إني خيرتك” أو “قولي أحبك”، ستجد تراكيب لحنيّة متشابكة ومتطورة، لا مكان فيها للرتابة، وستجد تصاعدا دراميا وانكسارات نغمية تخدم المعنى الشعري.
أما عن قوله بأن “كلمات نزار هي التي أنقذته”، فقد خالف فيها مجرى الاحداث بسذاجة واضحة، فالحان الساهر هي التي نبهت هذا الجيل الى اشعار نزار. ولو عدنا إلى فترة ما قبل تعاونهما في التسعينيات، لوجدنا أن شعر نزار، رغم شهرته، كان نخبويا ومحصورا غالبا في الكتب والدواوين الخاصة بالمثقفين، وكاظم هو من اخرجها وأوصلها إلى الشارع والمسرح والمدرجات العربية حين حول النصوص إلى أناشيد حب تتردد على شفاه جمهور كبير متعدد الجنسيات والأعمار والثقافات.لم يتكئ كاظم على نزار، كما لم يتكئ على غيره، بل اجترح لنفسه صوتا ونغما واسلوبا جديدا.
أما التلميح الذي يستهين بجمهور الساهر بأنه مجرد فتيات مكبوتات، فهو قول لا يليق، وعيب. جمهور كاظم يقدر بمئة مليون، ويشمل كل الفئات: رجالا ونساءً، شبابا وكهولا، عربا وغير عرب، نقادا وفنانين. هذا الحضور الطاغي، والذي لا يمكن تفسيره بغير الجودة والصدق الفني، هو ما صنع قيمة الفنان. وكاظم لم يأت على موجة عابرة، بل بقي لأربعة عقود من الزمن في الصدارة، متحديا كل التحولات والانحيازات، وكل طوفان الأغاني السريعة الخالية من المعنى.
ان من حق طبيب الجلدية أن لا يُطرب شخصيا لأغاني كاظم الساهر، لكن من غير المقبول أن يُلغي تميّز تجربة فنية كاملة، ويختصر جمهورا كاملا في حكم غير منصف. والفن لا يُقاس بما يعجبنا ولا يعجبنا، بل بما يُدهش الملايين ويبهرهم، والساهر لم يكن ظاهرة صوتية فقط، بل ظاهرة ثقافية موسيقية طورت الذائقة العربية، وأسهمت في رفع مستوى الأغنية العاطفية، وأعادت لها الشعر، والكرامة الفنية والجمالية، واللحن المتقن الذي كنا نسمعه في عهد بليغ حمدي ورياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب.