فرجال..news
ثائرة اكرم العكيدي/كاتبة وباحثة
المتابع للمشهد السياسي المسيطر عليه مجموعة من الأحزاب، سيجد التشابه الكبير بين إدارة المهرجانات بقضها وقضيضها والوضع السياسي الفاشل بامتياز.
فضلاً عن ما تقدم ثمة ظاهرة غير صحية وغير شعرية ألا وهي كثرة المهرجانات الشعرية التي تفتقد للمشهد الشعري بصورة مبالغ فيها منذ بداية الاحتلال الأميركي للعراق، وبصورة تدريجية، انحسر المشهد الشعري في الفعاليات الشعرية، لأن يحل محله مهرجانات اللقاء بالأصدقاء والصديقات فحسب.
قد اصبح البعض من الشعراء في العراق مرتزقة واصبحت العلاقات الشخصية سببا للطيران المجاني والسياحة والاستجمام كارثة كبرى ان يموت الشعر في العراق على ايدي هؤلاء.
ويطوف هؤلاء من مدينة إلى أخرى ومن مهرجان إلى آخر وكأن الشاعر لا هم له سوى التواجد بالمحافل، وهذا مؤشر في غاية الخطورة تم تفريغ الشاعر من معناه ومَهمَته ودوره لأن يكون طبلاً مجوفاً يردد صدى محيطه دون أن يدرك ما جنى به على نفسه وتحويله إلى بيدق عبر ربطه بمجاميع وعصابات متخادمة فيما بينها لم تساهم بأي تغيير ولو بشكل طفيف طوال العقدين الأخيرين.
أحد أهم أسباب هذه الطفرة المهرجاناتية هو المنافع الشخصية والفئوية الضيقة التي تتحكم فيها المصالح وتطغى عليها المحسوبيات في ظل قانون فضفاض ومتساهل في إنشاء المؤسسات التي تحدد بدورها إقامة المهرجانات والملتقيات في مختلف الاماكن والمحافظات .
لا أقصد هنا مهرجاناً معيناً ولكنها اصبحت ظاهرة تستحق الوقوف عندها
منظمات المجتمع المدني تقيم مهرجانات شعرية احزاب سياسية تقيم مهرجانات شعرية منتديات علمية تقيم مهرجانات شعرية حكومات محلية تقيم مهرجانات شعرية..
بمنعى هنالك تشجيع او استخفاف بالشعر وكتابة الشعر وتسفيه الفعاليات المهمة على الرغم من أن المهرجانات الشعرية توفر منصة للشعراء لعرض إبداعاتهم يبقى السؤال الأساسي هل تساهم كثرة هذه المهرجانات فعلاً في خلق او صناعة شاعر حقيقي أم أنها تُستخدم كأداة لتحقيق أهداف أخرى؟
غالباً ما نشارك في نجاح هذه الأهداف دون أن ندرك ذلك خاصة وأننا نمتلك الأدوات اللازمة لإنجاح الفعالية التي تعكس هويتنا الأدبية كشعراء او كصحفيين او ما يتوافق مع صفاتنا الادبية قاص ، روائي، مسرحي.
في رأيي ان كثرة المهرجانات تخلق صورة لشاعر بدلاً من بناء الشاعر نفسه ووسط هذا التكرار يضيع الشاعر الحقيقي وتصبح الألقاب متشابهة ففي كل جلسة قراءات لاتجد في القاعة سوى غير من سيشارك بالقراءة ليتلاشى العدد تدريجيا حتى في الختام لاتجد سوى اثنين او ثلاثة فقد قال أحدهم في جلسة نقاش عن هذا الموضوع عن شاعر مبدع كيف تصفه بالمبدع ونحن قرأنا على المنصة ذاتها في نفس اليوم؟
من هنا تتشابه الألقاب وتختلط الأسماء والجميع ينظر لنفسه مبدع وأعتقد أن الغرض من تكرار إقامتها يتضح من اسماء المشاركين فيها جميعهم من توجه واحد او جماعة معينة إما أن يكون الهدف اعادة تلميع أسماء لغايات انتخابية أو تحسين صورة مشوهة أو خدمة مشاريع ذات توجهات سياسية أو دينية. أما الهدف الحقيقي الذي ينبغي أن تسعى إليه هذه المهرجانات فلن يتحقق أبداً لان اغلبها مبنية على دعوات تتوافق مع مناسبة المهرجان وتتوافق مع توجهات القائم بالمهرجان وتتوافق مع درجة القرب والصداقة (اللواكة) ومبنية ايضا على المحسوبية حتى صار حضور اغلبها شبهة او نظرة تبعية لجماعة فلان او جماعة فعلان.
يقول أحد الاخوة المهرجانات الشعرية والمسابقات أصبحت خاضعة للعلاقات وليست لصناع الكلمة والأدباء
نعم أُصدِقه الرأي ومن خلال تواصلي مع بعض اساتذتي من الشعراء والكتاب استطلعت رأي عدد منهم بالمهرجان فاتفقوا على ان أهم مأخذ على المهرجان انه دُعُيَت إليه أعداد ليست قليلة ممن ليس لهم علاقة حقيقية بالشعر أو نقده وليس لهم دور أو فاعلية أو حتى رمزية ثقافية وما أُتي بهم سوى استجابة لمبدأ (الشللية) والعلاقات الشخصية وأستبعدت شخصيات كان ينبغي أن تكون حاضرة فهو مهرجانها.
لايمكن لهذه الاتحادات والمؤسسات الثقافية والادبية ان تبخس الجهد الكبير الذي يمتلكه اساتذة وقامات في الشعر والكتابة الا بالود ولمن اداروا مهرجانات مماثلة معرفة تامة بان لا يمكنك ان ترضي الجميع مهما بذلت لكن علينا ان نجعل عتبنا راقيا انيقا وحضاريا وهو جزء من التغير المنشود اجتماعيا وثقافيا واخلاقيا. وحدثني احد الاصدقاء عن احد المهرجانات قائلا حضرته شخصيات لها ثقلها المعرفي او الثقافي لكنها لم تستغل وقال زميل اخر نشاط لا يقدم ولا يؤخر ومهرجان خاص لفئة معينة منها واليها.
وإذا ما اكتفى العراقي الذي اعتاد مقارنة بلاده بالدول العالم وبالنظر إلى محيطه الإقليمي والعربي يجد نفسه قد تخلف عن ركب التنمية الثقافية مقارنة ببلدان اخرى مثل دول الخليج العربي التي انطلقت في هذا المجال بصفة صاروخية غير مسبوقة.
اليوم يجد المثقف العراقي الذي طالما تباهى بريادة بلاده في المجال الثقافي واقعا مأزوما وبائسا بعد أن كان محط إعجاب وتثمين.
الأمر يعود إلى فساد يستشري في كافة الأجهزة والمؤسسات المعنية بالنشاطات الفنية والثقافية بالإضافة إلى ضبابية الرؤية وانعدام الإستراتيجية المنظمة لكافة الهياكل المعنية.
لقد امست بعض المهرجانات الثقافية والشعرية والفنية محتكرة وتُدار من قبل شخصيات تابعة تَسير بالأنشطة المعرفية بأساليب المحسوبية والمحاصصة والمجاملة على حساب اسم المهرجان وحساب من يستحق الحضور والمشاركة.
النتيجة كانت كما هو متوقع كما هائلا من المهرجانات الفنية والشعرية والادبية ومحصولا هزيلا من الفائدة الثقافية والفنية مع استنزاف للميزانية المخصصة والتي هي أصلا من جيوب دافعي الضرائب الفقراء على وجه التحديد.
هكذا هو المنهج المتبع في المهرجانات الشعرية العراقية أن يسعى الشاعر لتكوين دائرة من العلاقات تضمن له الحضور شبه الدائم في الفعاليات الأدبية.
المهرجانات غير الممنهجة والمبنية على الفوضى التي تفسح المجال للرداءة وانحطاط الذائقة من شأنها أن تصيب الثقافة بالعقم في بلد يفخر بأنها من أهم إنجازاته.
المهرجانات تنتشر في العراق كالفطر ولكن أي فطر؟ فمنه النافع المفيد ومنه الطفيلي الضار، ومنه ما وقع استنباته غصبا عن الطبيعة
والأمر عكسي تماما فالتظاهرات الفنية ذات المستوى المحترم والرفيع والتي تحترم ذائقة الجمهور وتحاول أن ترتقي بها من شأنها أن تهدد بضاعة هؤلاء الذين يشبهون متعهدي الحفلات لا أكثر ولا أقل.
لا يختلف اثنان وخاصة داخل المحيط العربي أن العراق يغدق العطاء على الثقافة والفنون بسخاء كبير وبحسب إمكانياته طبعا لكن الأموال المرصودة تذهب إلى غير أهلها، وللأسف الشديد.
كثافة النشاطات والتظاهرات وتعدد المهرجانات شمالا وجنوبا شرقا وغربا إذن ليست مقياس ولا مؤشرا على تعافي الحياة الثقافية في العراق فالكثرة كالقلة تماما.
لا يوجد قط يصيد الفئران لسواد عيون أصحاب الدار كما يقول المثل إذ أن غالبية أصحاب هذه النشاطات وباستثناء النزيهين منهم لايهمهم إن تطورت الحركة الثقافية في البلاد أم لابقدر ما يهمهم ما يصل إلى جيوبهم من أموال عند كل نشاط يصفونه بـالفني والثقافي.
الحقيقة وفرة مثل هذه المهرجانات الثقافية في العراق لم تصنع إلا الرداءة ولم تساهم إلا في إفساد الذائقة علاوة على هدر الأموال وذلك على عكس ما نشاهده اليوم في بعض الدول العربية ..