فرجال.. News
د. ناجي الفتلاوي
كلما اقتربنا من العاشر من المحرم، تتجدد مشاعر الولاء، ويعلو صوت الحزن، وتُستعاد سيرة الإمام الحسين عليه السلام بكل تفاصيلها الجليلة ، لكن، وسط كل هذا الاستذكار، هل تساءلنا: هل نقرأ النهضة الحسينية اليوم كما قرأها آباؤنا وأجدادنا؟
وهل نسأل الأسئلة نفسها التي طُرحت قبل قرن أو قرنين؟
وهل يحق لنا أن نكتفي بتكرار الشعارات دون أن نقرأ الحسين كمنارة للتغيير، كأفق للحرية، وكصرخة في وجه كل طغيان؟
إن النهضة الحسينية ليست حدثًا جامدًا متوقفًا عند سنة 61 هـ، بل هي حركة تاريخية ممتدة تتجدد في كل عصر بقدر ما نمتلك من وعي وقدرة على طرح الأسئلة.
فإذا كان سؤال القرن الأول الهجري هو:
"لماذا خرج الحسين؟"
فإن سؤال القرن الخامس عشر الهجري يجب أن يكون:
"كيف نُترجم خروجه في واقعنا المعاصر؟ وكيف نبني مجتمعًا حسينيًا اليوم؟ ان الأمام الحسين ع مشروع إنقاذ لا طقوس حزن فقط ، وانه سلام الله عليه لم يخرج باحثًا عن موت، بل خرج باحثًا عن حياة كريمة للأمة: ‘‘إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي."
هو لم يبدأ خطبته بشكوى، بل بدأها بمشروع.
هل لاحظتم أن الإمام في كربلاء لم يبنِ جدرانًا، لكنه بنى قيمًا؟ لم يؤسس مؤسسة سياسية، لكنه أسس مدرسة للحرية ، من حرّر جونًا، وزهيرًا، ووهب النصراني، وحرّ الرياحي، علّمنا أن الإنسان الحسيني لا يُقاس بلون أو نسب أو قبيلة، بل بوعيه وقراره وموقفه.
نموذج معاصر: أين نحن من ‘‘الحر‘‘ اليوم؟ في زماننا هذا، من هو ‘‘الحر"؟هل هو ذلك المسؤول الذي يترك منصبه حين يشعر أن ضميره لا يطيق الظلم؟ هل هو ذلك الصحفي الذي يقول الحقيقة رغم التهديد؟
أو ذلك الشاب الذي يرفض أن يُستَغفَل باسم الدين أو السياسة؟ إذاً، نحن بحاجة إلى أن نطرح هذه الأسئلة:
من هو الحسين في هذا الزمان؟ ومن هو يزيد هذا العصر؟ وكيف يكون شعار ‘‘يا ليتنا كنا معكم‘‘ أكثر من نداء، بل مشروع حياة؟ لا بد من ابتكار قراءة جديدة للنهضة، ليست قراءة وعظية فقط، بل قراءة تحليلية، نقدية، واعية ، لا نريد فقط أن نحفظ عدد شهداء كربلاء، بل نريد أن نفهم لماذا قُتلوا، ولماذا خذلهم الناس، ولماذا صمدوا؟
قراءة تدعو شباب اليوم ليقولوا: ‘‘أنا حسيني، إذًا أنا حر.. أنا عادل.. أنا مقاوم للفساد.. أنا ناصر للمظلوم.."ان
الحسين عليه السلام لم يكن ثورة من الماضي، بل هو مشروع للمستقبل ،اذا كنا نحب الحسين، فلنُشغّل عقولنا، لنُطوّر أدواتنا، لنكتب عن الحسين بلغة يفهمها العالم، ويفهمها الجيل القادم ، فالسؤال الحقيقي ليس: ‘‘لماذا بكى النبي على الحسين؟‘‘ بل: ‘‘لماذا لا يزال الحسين يُبكينا؟ ولماذا لا ننهض بما نهض به؟‘‘ إن الثورة التي لا تُقرأ بعين الزمان، تموت في الطقوس ،وإن النهضة التي لا تُسأل بأسئلة جديدة، تبقى محنّطة في التاريخ ، لنعد قراءة النهضة، لا لنغيّرها، بل لنغيّر أنفسنا بها.