🔴فرجال … news
بقلم / ضياء أبو معارج الدراجي
من مفارقات هذا الزمن، أن يظهر بعض الشخصيات العامة ممن غيّروا أسماءهم وهوياتهم في محاولة لإعادة تقديم أنفسهم بوجه جديد،ظنًّا أن تغيير الاسم كافٍ لتجاوز الماضي، ويصرّح أحدهم قائلاً:
"يريدون أن نذكر أمرًا جرى قبل 1400 سنة، قوم قد ماتوا، فما شأننا بهم؟"
هذا التصريح يستدعي الوقوف عنده، لا لأنه جديد، بل لأنه يُكرّر سردية قديمة حاول من خلالها بعض التيارات السياسية التخفيف من وقعفاجعة كربلاء، أو تهميشها، بحجة أنها من "أحداث الماضي".
لكن ما يدعو للدهشة حقًا، أن هذه الأطراف ذاتها، وفي ذات الليلة التي استُشهد فيها الإمام الحسين عليه السلام، تُحيي باهتمام شديد ماتدّعي أنه ذكرى نجاة نبي الله موسى عليه السلام من فرعون، وهي واقعة يُقال إنها وقعت قبل أكثر من 3400 سنة!
فكيف يُطلب من الأمة أن تنسى استشهاد سبط نبيّها، بينما يُحتفل بحدث أقدم زمنيًا، وأكثر غموضًا تاريخيًا، ولم يُعرف له تاريخ دقيق أومصدر موثق يربطه بالعاشر من محرم؟
وهل التقويم الهجري كان موجودًا أيام موسى عليه السلام؟ بالطبع لا.
كما أن التقويم اليهودي لا يتطابق فلكيًا ولا حسابيًا مع التقويم الهجري، فكيف إذاً صار "يوم عاشوراء" فجأة هو يوم نجاة موسى؟!
هذه الرواية، التي تسوّق على أنها "من الموروث الديني"، تُعدّ في الحقيقة إحدى الوسائل التي استخدمها الإعلام الأموي في بداياته لتهميشذكرى كربلاء. بل إن اختيار "محرم" كبداية للتقويم الهجري، رغم أن الهجرة النبوية وقعت في ربيع الأول، جاء لأسباب سياسية واضحة،الهدف منها كان طمس أول ذكرى سنوية لفاجعة الطف، وتحويل بداية السنة إلى مناسبة يُراد لها أن تُفرح، لا أن تُبكي!
وقد نُسب هذا التعديل لاحقًا إلى بعض الشخصيات التاريخية، واعتُمد على نطاق واسع، فأصبح التشكيك فيه يصنّف ضمن "الطعن فيالثوابت"، رغم أن المنهج العلمي يدعو دومًا إلى التمحيص، لا التسليم المطلق.
إن الإمام الحسين عليه السلام ليس مجرد حدث تاريخي، بل هو معيار أخلاقي وقيمي تفرز به الأمة نفسها: هل هي مع العدل أم مع الظلم،مع الإصلاح أم مع الانحراف، مع الدم الطاهر أم مع العرش الملوث؟
فمن يختار الصمت أو التهوين أو التبرير، فإنه — ولو عن غير قصد — يُعيد مشهد كربلاء في هيئة أخرى.
ولمن يردد: "ما شأننا بقوم قد ماتوا؟" نقول:
بل الشأن كل الشأن، لأن الحسين لم يكن قضية زمن، بل قضية ضمير.
ومن لا يعنيه الحسين، فليحتفل بمن يشاء، لكن لا يُطالب الأحرار بأن يدفنوا الحزن في قوالب الصمت، أو يستبدلوا الدمعة بالتصفيق.
فالحسين عنوانٌ للوعي، والبكاء عليه ليس عاطفة، بل موقف.
ومن لا يُحسن الوقوف مع الحسين، فلن يُحسن الوقوف مع الحق في أي زمان.