🛑فرجال... news
ثائرة اكرم العكيدي /كاتبة وباحثة
الانتحار موقف مأساوي يعكس عمق الألم الذي يعيشه الإنسان عندما يفقد الأمل أو يشعر بالعزلة، لكنه ليس حلاً لمشكلات يمكن أن تتبدل أو تُخفف بالدعم والعلاج.
ويلخص الجانب الوجودي المؤلم من الانتحار ليس فعلاً بيولوجياً بارداً فحسب بل تصادم بين إنسانٍ وبحرٍ من الفراغ والمعنى المفقود. في هذا الصراع تظهر أسئلة قديمة- هل نستطيع أن نقرر نهاية وجودنا كخيار أخلاقي؟ هل المعاناة تسقط شرعية الحياة أم أنها دعوة لإعادة صياغة معنىٍ آخر - الفلاسفة (من كامو إلى سارتر وغيرهم) نظروا إلى الانتحار كقضية محورية- البعض رآه إجابة على العبث وآخرون رآوه استسلاماَ ينهب من الفرد فرصة صنع معنى جديد.
مع ذلك من زاوية إنسانية مهمة أن نتذكر وراء كل فكرة انتحارية ثمة ألم حقيقي وغالباً عزلة وخوف واعتقاد بأن لا منقذ. هذا لا يبرر الفعل لكنه يطلب منا كمجتمع وكأفراد أن نكون مستمعين أن نمنح المتألم فرصة أن يُرى ويُسمع وأن نسهل الوصول لمساعدة مهنية ونابعة من رحمة. المعنى لا يولد فجأة يُبنى بخطوات صغيرة اتصال بصديق، كلمات صادقة، علاج نفسي، تدخل طبي وقت الاضطرار.
هنا يكون الانتحار ليس مجرد فعل جسدي بل صراع الإنسان مع ذاته ومع معنى الوجود. هو لحظة يواجه فيها الفرد الفراغ المطلق، حين يُخيَم عليه شعور بأن الألم والخيبة لا مهرب منهما. يسأل الإنسان نفسه هل للمعاناة حدود؟ وهل للحياة قيمة إذا اختفت القدرة على الاحتمال؟
في لحظة الانتحار يلتقي الحرمان بالحرية فالإنسان يرى في الموت حلاً نهائياً لكنه في الوقت ذاته يقف على حافة السؤال الأزلي هل للوجود معنى خارج الألم؟ هكذا يصبح الانتحار مرآةً للفلسفة الإنسانية حيث تتشابك الحرية، اليأس، والمسؤولية، ليبقى السؤال الأكبر هل الهروب من الحياة فعل قوة أم ضعف؟
وتُعد ظاهرة الانتحار في العراق من القضايا الاجتماعية والصحية الخطيرة التي تستدعي اهتماماً واسعاً من قبل المجتمع والحكومة. تشير الإحصائيات إلى ارتفاع ملحوظ في أعداد حالات الانتحار خلال السنوات الأخيرة، مما يثير القلق بشأن الأسباب والتحديات المرتبطة بهذه الظاهرة.
ومع استفحال ظاهرة الانتحار في البلاد يقدم المنتحرون على تبني العديد من الأساليب حيث يأتي الشنق في أولها ثم إطلاق الرصاص ومن ثم استخدام السموم والسقوط من الجسور أو الأبنية شاهقة الارتفاع
وفقاً للتقارير سجل العراق أكثر من 2000 حالة انتحار خلال السنوات الثلاث الأخيرة وهذا الرقم في تزايد ملحوظا مما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لهذه الظاهرة.
استفحال ظاهرة الانتحار في البلاد يقدم المنتحرون على تبني العديد من الأساليب، حيث يأتي الشنق في أولها ثم إطلاق الرصاص ومن ثم استخدام السموم والسقوط من الجسور أو الأبنية شاهقة الارتفاع.
وعلى الرغم من أن العراق يأتي في مراتب متأخرة في مؤشر الانتحار في العالم حيث جاء في المرتبة 154 من بين 183 دولة إلا أن تزايد حالات الانتحار في البلاد خلال العقدين الماضيين يؤشر على تحول كبير في المجتمع العراقي.
ومع انتشار تجارة المخدرات بين الفئات العمرية اليافعة التي تتراوح أعمارها بين 18 و25 عاماً. وغالباً ما تكون هذه الفئة في بداية حياتها العملية أو في طور البحث عن عمل وبالتالي ومع عدم توفر الأموال اللازمة لشراء المخدرات الباهظة الثمن، يدخل هؤلاء في حالة من الاكتئاب الشديد، مما قد يؤدي إما إلى الانتحار أو إلى التوجه نحو الأعمال الإجرامية والخروج عن القانون.
هناك عدة عوامل تدفع المرء للتفكير في الانتحار منها العوامل النفسية والاجتماعية حيث تشير الدراسات إلى أن الاكتئاب النفسي، القلق، والضغوط النفسية الناتجة عن مشاكل اقتصادية واجتماعية تُعد من أبرز الأسباب المؤدية للانتحار. على سبيل المثال أظهرت دراسة أن 17% من حالات الانتحار كانت نتيجة للاكتئاب النفسي.
وايضا هناك العوامل الاقتصادية
حيث تُعتبر الظروف الاقتصادية الصعبة مثل البطالة والفقر من العوامل الرئيسية التي تسهم في زيادة حالات الانتحار. أظهرت بعض الدراسات أن أكثر من 40% من حالات الانتحار كانت تتعلق بأفراد يواجهون صعوبة في تلبية احتياجاتهم الأساسية.
يسجل المجتمع العراقي اليوم حالة من اللامبالاة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومن قبل مختلف الفئات العمرية بما يؤدّي إلى تفكك أسري واضح حيث باتت السلطات تُحسّه من خلال ارتفاع معدّلات الجرائم والعنف الأسري والانتحار.
ولا يمكن التغافل عن أن هوس الكثير من الشباب العراقي بمتابعة المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي والشهرة والمال الذي يحققونه يؤدّي بهم إلى الإحباط مع غياب الموجّه الاجتماعي الذي كان رب الأسرة يلعبه فيما سبق فضلاً عن غياب دور الأم في كثير من الحالات بسبب انشغالها هي الأخرى في متابعة ما يهمها على وسائل التواصل.
بالاضافة العوامل الثقافية والدينية
ففي بعض الأحيان يُنظر إلى طلب المساعدة النفسية على أنه أمر غير مقبول اجتماعياً، مما يُصعّب على الأفراد طلب الدعم. بالإضافة إلى ذلك، قد تسهم بعض المعتقدات الدينية أو الثقافية في زيادة الضغوط النفسية على الأفراد.
وهناك ايضا الانتحار الجماعي المرتبط بالحركات الدينية حيث ظهرت في بعض المناطق حركات دينية تشجع على الانتحار الجماعي كوسيلة للتقرب إلى الله مما أدى إلى تسجيل حالات انتحار جماعي في بعض المدن العراقية.
للتقليل من ظاهرة الانتحار هناك عدت توجهات منها الجهود الحكومية والمجتمعية حيث عليها إنشاء مراكز دعم نفسي وتوفير مراكز متخصصة لتقديم الدعم النفسي للأفراد.
وتنظيم حملات توعية: رفع الوعي حول أهمية الصحة النفسية وطرق الوقاية من الانتحار.
مع توفير خطوط ساخنة للاستشارة النفسية: تقديم استشارات نفسية مجانية وسرية للأفراد المحتاجين.
المجتمع والأسرة والجهات الصحية لها دور حاسم في الاستماع دون حكم وتوفير مأوى للألم بالكلمة والاعتراف والتحرك نحو المساعدة.
الحديث عن اليأس مطلب شجاع لا عيب فيه بالكلام ينفك جزء من ثقل الروح ويُفتح باب للعلاج والتغيير.
نحتاج إلى نشر ثقافة المساءلة الرحيمة، وتعليم مهارات التكيّف النفسي وتسهيل الوصول إلى خدمات الصحة النفسية.
اخيرا نقول ان ظاهرة الانتحار في العراق قضية معقدة تتطلب تضافر الجهود من قبل الحكومة والمجتمع المدني، والإعلام، والأفراد للتصدي لها. من المهم تعزيز الوعي بالصحة النفسية وتوفير الدعم اللازم للأفراد والعمل على تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للحد من هذه الظاهرة. فالحفاظ على الحياة يعني إعطاء الألم وقت ليتبدل وفرصة للغد أن يحمل أصواتاً جديدة وأسباباً للاستمرار..