🛑فرجال... news
د. ناجي الفتلاوي
في خضمّ الثورة التقنية التي أعادت صياغة شكل الحياة على الأرض، يقف الإنسان أمام مفارقة وجودية غير مسبوقة: كيف يمكن للأخلاق أن تبقى حيّة في زمنٍ باتت فيه القرارات تُتخذ بخوارزميات لا تعرف الرحمة ولا الندم؟
هل يمكن أن يزدهر الضمير في عالمٍ تحكمه المعادلات الرياضية بدل النبض الإنساني؟
لقد كانت الأخلاق عبر التاريخ ثمرة تفاعلٍ بين العقل والوجدان؛ مزيج من الحكمة والعاطفة، من القانون والمروءة، من القاعدة والموقف الإنساني. لكن دخول الذكاء الاصطناعي على خطّ القرار البشري قلبَ الموازين: فالمسؤولية باتت ‘‘موزّعة‘‘ بين المبرمج والخوارزمية، والنية الأخلاقية غابت خلف شاشات الكود.
حين تُدار الأخلاق بالعقل الاصطناعي، تصبح المسافة بين ‘‘ما هو صائب‘‘ و"ما هو دقيق‘‘ خطرة للغاية.
فالآلة لا تفهم الندم، ولا تملك حسًّا بالذنب، ولا تعرف ماذا يعني أن يتألم الآخر. إنها تتقن الحساب، لكنها تجهل العاطفة. ولهذا، فإن تحويل القرار الأخلاقي إلى عملية تقنية باردة يُهدّد بطمس الجانب الأسمى من الإنسان: قدرته على التعاطف والاختيار الحرّ.
ولعلّ السؤال الأخطر ليس: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يكون أخلاقيًا؟
بل: هل سيبقى الإنسان نفسه أخلاقيًا حين يتخلى عن مسؤوليته للآلة؟
فالأخلاق لا تُبنى على ‘‘الكفاءة‘‘ فحسب، بل على ‘‘الموقف".
وإذا كان الذكاء الاصطناعي قادراً على معالجة آلاف المعطيات في لحظة، فإن القلب الإنساني وحده هو القادر على منح تلك المعطيات معنى. من دون هذا المعنى، يصبح العالم منظمًا… لكنه بلا روح.
إن مستقبل الأخلاق لن يُحسم في مختبرات التكنولوجيا، بل في ضمائر البشر الذين يبرمجونها،
فإن ظلّت المعادلات بلا وجدان، فإننا نُخاطر بخلق حضارة دقيقة وباردة، تعرف كيف تبني كل شيء إلا الإنسان ، ولذلك، لا بدّ من صياغة ميثاقٍ جديد يوازن بين العقل الصناعي والقلب الإنساني، بين الكفاءة والرحمة، بين العلم والضمير؛ لأن أعظم مأساة يمكن أن تواجه الحضارة ليست أن تُصبح الآلة أذكى من الإنسان، بل أن يُصبح الإنسان نفسه أبرد من الآلة.