🛑فرجال... news
د. ناجي الفتلاوي
حين نتأمل في أقوال الإمام الحسين عليه السلام، لا ينبغي أن نتعامل معها كمجرد كلمات خُطّت في لحظة تاريخية، بل كأسرار متراكبة تحمل في طياتها رسائل مضمرة، لا يدرك عمقها إلا من توفرت له أدوات الوعي والبصيرة. فكل قول نطق به الإمام في طريقه إلى كربلاء، أو في يوم عاشوراء، أو حتى في لحظة السقوط، لم يكن مجرد خطاب مباشر، بل كان إشارة، ورمزًا، ودعوة لفهمٍ أعمق من الظاهر ، لقد مرت قرون على نهضة كربلاء، لكن الكثير من أقوال الإمام الحسين لم تجد تفسيرها الكامل في زمنها، ليس لقصور في المعنى، بل لعدم نضوج الوعي الجمعي الذي يُمكّن من استيعاب مضامينها، واليوم، في ظل تطور المفاهيم ووعي الباحثين، بات ممكنًا أن نعيد قراءة هذه الأقوال بعيون جديدة، ونكتشف زوايا أخرى للفهم لم تكن متاحة لمن سبقنا ، ان المتأمل في أقوال الإمام الحسين يرى كيف أن عباراته كانت تحمل رؤى مستقبلية تتجاوز لحظة المواجهة مع يزيد، وتتجاوز حتى كربلاء كواقعة تاريخية، لتلامس جذور أزمة الإنسان مع السلطة، ومع الظلم، ومع الاستسلام ، فلم يكن الإمام الحسين عليه السلام يطلب الموت، بل كان يكتب مشروعًا طويل الأمد للوعي والمقاومة، مشروعًا قائمًا على الرفض الناعم لكل أشكال التجهيل، والمواجهة السلمية للانحراف الثقافي والسياسي في الأمة ، اليوم، في عصر تتكاثر فيه محاولات تشويه نهضة كربلاء، والطعن في مقاصدها وقيمها، تظهر الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة وصل ما انقطع بين تلك الأقوال وبين واقعنا ، هذه ليست فقط معركة تاريخية، بل معركة وعي، تحصّن الناس من محاولات التشكيك، وتكشف أن الحسين لم يكن شهيد مظلومية فقط، بل شهيد وعيٍ ورسالة ، ومن بين أعظم الرسائل المضمرة التي يجب أن نُدركها، هي أن زيارة الإمام الحسين عليه السلام ليست طقسًا تعبديًا فحسب، ولا مشهدًا شعائريًا مجردًا من المعنى، بل هي فعل مقاومة، وتمرين وعي، وتجديد للبيعة على رفض الجهل، ومواجهة كل ما يُراد به تزييف الحقيقة ،إن هذه الزيارة بُنيت على تلك الأقوال التي قالها الإمام وهو يسير من مكة إلى كربلاء، وكلها كانت تخاطب العقل والضمير، قبل أن تخاطب الجسد ، فنحن بحاجة إلى أن نرتقي بفهمنا لأقوال الإمام الحسين عليه السلام من حدود التفسير السطحي إلى آفاق التحليل الواعي، حتى نعيد وصل الأجيال بروح النهضة الحسينية، ونستثمر في هذه الذاكرة الحية لبناء مشروع مجتمع حر، واعٍ، رافض للذل، ومؤمن بأن كربلاء لم تكن نهاية، بل كانت بداية لصوت لا يخفت، وصدى لا يُطمس.