● "السنيد ينتقد قرار الحكومة بربط معاملات المواطنين ببراءة الذمة: إجراء غير قانوني ومخالف للدستور"
● أبو رغيف ، يعلن إطلاق الامتداد الرقمي (ID.IQ) مجاناً لطلبة الجامعات ويؤكد المضي في ترسيخ السيادة الرقمية وطنيا
● العراق يثمن الموقف المسؤول للمملكة العربية السعودية واجراءاتها القانونية بحق المسيئين
● الفنانة كلوديا حنا: نجاحي بالسعي وواجهت أذى بسبب ملامحي
● رابطة اللاعبين الدوليين تستنكر وتستهجن الاسائة للشخصيات الرياضية والكروية...
● لقاء دبلوماسي رفيع في بكين: السفير العراقي يلتقي بمساعد وزير دائرة العلاقات الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني
● هيئة الإعلام والاتصالات... بين الإصلاح الحقيقي وحملات التسقيط المفبركة*
● التيار الصدري وخريطة القوة في العراق..بين التأجيل والعودة المحتملة
● سعد الأوسي : نعيد للإعلام هيبته وللكلمة مسؤوليتها**
● د اياد علاوي يستقبل سفير المملكة المتحدة في العراق
● "السنيد ينتقد قرار الحكومة بربط معاملات المواطنين ببراءة الذمة: إجراء غير قانوني ومخالف للدستور"
● أبو رغيف ، يعلن إطلاق الامتداد الرقمي (ID.IQ) مجاناً لطلبة الجامعات ويؤكد المضي في ترسيخ السيادة الرقمية وطنيا
● العراق يثمن الموقف المسؤول للمملكة العربية السعودية واجراءاتها القانونية بحق المسيئين
● الفنانة كلوديا حنا: نجاحي بالسعي وواجهت أذى بسبب ملامحي
● رابطة اللاعبين الدوليين تستنكر وتستهجن الاسائة للشخصيات الرياضية والكروية...
● لقاء دبلوماسي رفيع في بكين: السفير العراقي يلتقي بمساعد وزير دائرة العلاقات الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني
● هيئة الإعلام والاتصالات... بين الإصلاح الحقيقي وحملات التسقيط المفبركة*
● التيار الصدري وخريطة القوة في العراق..بين التأجيل والعودة المحتملة
● سعد الأوسي : نعيد للإعلام هيبته وللكلمة مسؤوليتها**
● د اياد علاوي يستقبل سفير المملكة المتحدة في العراق

زيارة الأربعين: فرصة لبناء الوعي والمقاومة الحضارية

🛑فرجال... news

د. ناجي الفتلاوي

ليست زيارة الأربعين مجرد طقس ديني يُمارس في زمن معين، بل هي فعل تربوي جماعي يتكرر سنوياً ويمنح المجتمع فرصة نادرة لاستعادة القيم الكبرى، وإحياء المعاني العميقة، وإعادة بناء الوعي من الأساس. إن ما يجري على طريق كربلاء من سلوكيات، وعلاقات، وتضحيات، ليس مظهرًا عابرًا، بل هو مادة تربوية حيّة يمكن أن تتحول إلى مناهج تعليمية متكاملة، تغني العقل، وتبني الضمير، وتصنع الإنسان الملتزم بقضاياه المصيرية ، في زمن تنهار فيه الأنظمة التربوية أمام ضغط الاستهلاك الرقمي والنماذج الغربية المادية، تقدّم مسيرة الأربعين نموذجًا تربويًا بديلًا، يربط بين الروح والقيم، وبين الجسد والفكرة، وبين الانتماء العملي والهوية الفكرية ، ملايين الزوار يسيرون بلا دعوة رسمية، بلا مقابل، بلا ترف، بل بقصد إحياء قضية تتجاوز الزمان والمكان، وهذا بحد ذاته يعكس وعيًا جمعيًا عميقًا يجب أن يُدرس ويُفعّل في الحقول التعليمية ، فالعطاء المجاني، والخدمة التطوعية، وتحمل المشقة من أجل هدف أسمى، كلها دروس عملية تُرسّخ في وعي الناشئة من خلال تجربة حسيّة لا تُنسى، يمكن ترجمتها إلى وحدات تعليمية في المدارس والمعاهد، وتُغني مناهج الأخلاق والتربية المدنية والتاريخ والهوية ، لقد بدأت بعض المبادرات التربوية فعلاً بمحاولة استلهام قيم الأربعين في التعليم، من خلال تخصيص أسابيع دراسية تعكس مفاهيم الحسين، أو إقامة حملات طلابية خدمية في المدارس تحت عنوان “على طريق الحسين”، أو حتى في إعداد مشاريع بحثية تتناول فلسفة كربلاء، لكن هذه التجارب ما زالت محدودة النطاق، وغير مؤطّرة بمنهج علمي واضح، وتحتاج إلى تبنٍّ من المؤسسات الأكاديمية والتربوية على مستوى أوسع ،فزيارة الأربعين ليست حدثًا هامشيًا، بل هي التجمع الديني الأكبر في العالم، ومع ذلك لا تلقى التغطية الإعلامية المناسبة، لا بسبب حجمها ولا مضمونها، بل لأنها تُناقض تمامًا الثقافة المادية السائدة، وتُعيد طرح الأسئلة الكبرى التي تسعى فلسفات الاستهلاك إلى إسكاتها ، ما يميّز هذا التجمّع عن غيره من الطقوس الدينية هو أنه لا يقوم على الفولكلور، بل على الفكرة ، ولا على التسلية، بل على التربية ، الزائر في الأربعين يتحول من مستهلك إلى منتج للقيمة، ومن متلقٍّ إلى مشارك في مشروع مقاومة ثقافية وروحية، ففي زمن الاغتراب الرقمي، تُعيد مسيرة الأربعين الشباب إلى هويتهم، وتجعلهم جزءًا من سردية كونية عظيمة تبدأ من كربلاء ولا تنتهي إلا بالعدل الإلهي الكامل، إنها صياغة جديدة للوعي، مقاومة للأنماط الجاهزة، ومحرّكة للعقول والضمائر، وتجربة يمكن تسميتها بـ"الأكاديمية الشعبية السنوية لصناعة الوعي‘‘ ،المؤسسات التعليمية والتربوية مدعوة اليوم إلى أن تكون جزءًا من هذا التحول، فبدل أن تكون الزيارة طقسًا منفصلًا عن الحياة الدراسية، يمكن أن تكون مصدرًا غنيًا للمناهج والبرامج، يمكن إدراج فلسفة كربلاء في تعليم التاريخ، وفكر الحسين ع في مواد الأخلاق، وتجربة الأربعين في مواد المواطنة والخدمة المجتمعية، كما يمكن للمراكز الثقافية أن تنظم ندوات، وللإعلام التربوي أن ينتج محتوى يخاطب الأطفال والناشئة عن هذه المناسبة بما يتجاوز البُعد العاطفي نحو البُعد الحضاري والعملي ، وبرغم تنوع جنسيات الزوار واختلاف لغاتهم وثقافاتهم، فإن زيارة الأربعين تكرّس هوية شيعية موحّدة، قوامها الحسين لا الجغرافيا، والمبدأ لا المصالح، هذه الهوية تتجلى في وحدة الشعائر، والسلوك الجماعي، والتضامن العابر للحدود، وهي تُعيد صياغة الوجدان الشيعي سنويًا، وتمنحه طاقة معنوية ووعيًا سياسيًا وأخلاقيًا نادرًا في العالم الحديث. ولهذا فإن زيارة الأربعين ليست مكمّلة للهوية الشيعية، بل تشكّل روحها وجوهرها الحيّ، غير أن هذا الحضور الضخم والزخم المعنوي لا يُترجم دائمًا إلى حضور إعلامي عالمي يعكس أهميته، وذلك بسبب هيمنة منظومات إعلامية لا ترى في هذه المسيرة ما يخدم أجنداتها، بل تخشاها كقوة رمزية قادرة على زعزعة البُنى الفكرية للثقافة الغربية المادية، ولكن هذا التعتيم لا يعني الغياب، بل يحمّلنا مسؤولية إنشاء خطاب إعلامي بديل، نابع من رحم المسيرة، يُخاطب الآخر بلغته، ويقدّم الحسين ع كرمز عالمي للعدالة والكرامة والرفض ، إن هذه الكتلة البشرية المؤمنة التي تسير نحو كربلاء تملك طاقة هائلة يمكن تحويلها إلى خطاب عالمي جديد، يعيد للإنسان كرامته، ويستنهض الضمير العالمي بقيم ليست غريبة عنه، بل مغيّبة عنه ، زيارة الأربعين هي الفرصة السنوية الكبرى لإعادة تشكيل الوعي الجمعي على أساس الحرية المسؤولة، والكرامة المضحية، والعدل الرسالي، ولكي لا تبقى هذه الفرصة عاطفية موسمية، يجب تحويلها إلى مشروع دائم، عبر إنشاء مراكز دراسات، وإصدار مناهج تعليمية، وإنتاج مواد تربوية، وتنظيم حملات تثقيفية تبني جيلًا حسينيًا لا بالدموع وحدها، بل بالوعي والفعل والمعرفة ،

فالحسين عليه السلام لم يُرد أن يُبكى عليه فقط، بل أن يُفهم ويُتّبع. وزيارة الأربعين هي البوابة الأوسع لفهمه، وهي ليست نهاية المسير، بل بدايته.