🛑فرجال... news
بقلم د. ناجي الفتلاوي
في كل عصر، تولد الأسئلة من رحم التحديات التي يواجهها الإنسان. وإذا كانت النهضة الحسينية قد فجّرت في الوعي الإنساني أسئلة مصيرية حول الحق والباطل، العدل والظلم، السلطة والدين، فإن مسؤوليتنا اليوم – نحن النخب الثقافية والفكرية والدينية – لا تقتصر على نقل هذه الأسئلة كما هي، بل على إعادة إنتاجها بما يتناسب مع طبيعة السياق الزمني الذي نعيشه؛ حيث الرقمنة والعولمة وتقنيات الاتصال تصوغ وعي الإنسان وتعيد تشكيل مفاهيمه،إن ما يطرحه هذا العصر من تعقيد فكري وتكنولوجي يستدعي منا أن نولد أسئلة جديدة حول الإمام الحسين ونهضته، لا من باب الاجتهاد في المأثور فحسب، بل من باب الانخراط الواعي في معركة الوعي المعاصر ، وهنا يُطرح سؤال جوهري: هل يكفي أن نرث الوعي عن الحسين، أم أن علينا أن ننتجه بأنفسنا، كما أنتج هو وعيه وموقفه في عصره؟ في زمن تتسارع فيه التحولات الرقمية ويُعاد تعريف الإنسان وهويته، كيف نعيد طرح سؤال الحسين الخالد: ‘‘ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، والباطل لا يُتناهى عنه؟‘‘ بلغة يفهمها الإنسان الرقمي، لا ذاك الذي كان يحيا في القرون الأولى؟ وهل نمتلك من أدوات التحليل والجرأة ما يكفي لإعادة تعريف المفاهيم المركزية في النهضة الحسينية – كالظلم، والجهاد، والإصلاح، والثورة – بلغة هذا العصر المتغير؟ من هنا، تصبح مهمة النخبة الواعية أكثر من مجرد إعادة سرد، بل هي إعادة خلق وتأسيس معرفي لأسئلة الحسين عليه السلام، بما يتوافق مع القضايا الكبرى لعالمنا اليوم. فما القضايا التي كان سيحملها الحسين لو خرج في زماننا؟ وما شكل المعركة التي سيخوضها؟ ومن هم يزيدو العولمة والحداثة المنفلتة؟ إن المنبر التقليدي، مع أهميته التاريخية والوجدانية، قد لا يكون وحده كافيًا لإيصال الأسئلة الحسينية إلى الجيل الرقمي ،فهل نملك لغة جديدة، ومصطلحات معاصرة، ووسائل تواصل حية تجعل من الحسين قضية حاضرة في وجدان الأجيال لا مجرد رمزية تاريخية؟ في هذا الإطار، تبرز أهمية العلوم الإنسانية والفكر النقدي والفلسفة الحديثة، لا بوصفها نقيضًا للدين، بل كجسر لفهم الدين والنهضة الحسينية من منظور إنساني شامل، يعيد وصل الحسين بقيم التحرر، والمقاومة، والكرامة ، لقد آن الأوان أن نُخرج النهضة الحسينية من دائرة الطقوس إلى دائرة الأسئلة العالمية، بحيث تتحول من حدث تاريخي إلى خطاب مقاوم يحاكي قضايا الإنسان المعاصر، لا سيما في ظل مشاريع الاستسلام، وتطبيع الاستبداد، والتسويق لنموذج الفرد المنفصل عن الجماعة والقيم ، ومن المهم أن نتساءل بصدق: ما هي الأسئلة المغيّبة عن النهضة الحسينية؟ ولماذا يُصر البعض على إبقاء الحسين في إطار الدموع فقط، بدل تحويله إلى رمز يقظ للوعي والفهم والمواجهة؟ وهل نخشى أن نكتشف بأننا نُفرغ عاشوراء من ثوريتها كلما اقتصرنا على البكاء دون الوعي؟ حتى زيارة الأربعين، بهذا الحضور الجماهيري الهائل، يمكن أن تتحول إلى منصة سنوية لإنتاج وطرح أسئلة العصر باسم الحسين، بدل أن تُختزل في كونها مجرد مناسبة سنوية للتجمّع، إنها فرصة تربوية وفكرية وسياسية لصناعة وعي متجدد يتصل بمحمد وآل محمد لا بالشكل بل بالجوهر ، إننا فعلاً بحاجة إلى ‘‘نهضة فكرية موازية‘‘ تُعيد قراءة المشروع الحسيني لا من ظلال التراث فقط، بل من ضوء الواقع، بما فيه من تحديات واختلالات وقوى متربصة ، إن استلهام الحسين لا يكون باجترار الماضي، بل بجرأة السؤال، وبصدق المواجهة، وبالقدرة على أن نُعيد للنهضة الحسينية دورها الخالد في توليد الوعي ومواجهة الانحراف في كل زمان ومكان.