🛑فرجال... news
بقلم الكاتب : جعفر محيي الدين/ النجف
حين يهرب الجميع بعيداً عن مسرح الجريمة ، يركض المسعف نحوه لا يسأل عن هوية الجاني ، ولا عن تفاصيل الخطر بل يسأل نفسه سؤالاً واحداً ، هل هناك نفس ما زالت تنتظر من ينتشلها من الموت..؟؟
لكن المفارقة المؤلمة أن هذا الإنسان الذي مدّ يده لينقذ.، يجد نفسه سريعاً في قفص الإتهام ، يتحول حضوره في اللحظة الحرجة إلى شبهة ، و مبادرته إلى جرم و التحقيقات تبدأ معه لا حوله..!!
في شوارعنا حيث الدقيقة تصنع الفارق بين الحياة و الموت ، يخرج من يسمّى شعبياً {المسعف} ليقدّم وقته و جهده بلا مقابل ، غير أن هذا الدور النبيل لم يعد يُقرأ على أنه واجب إنساني، بل صار في نظر بعضهم مدعاة ريبة ..!! لماذا كان أول الحاضرين و لماذا لمس المصاب و هل هو متورط ..؟؟
و كأن فعل الرحمة صار قرين التهمة ، و كأن سرعة البديهة باتت قرينة الجريمة .!!
التحقيقات غالباً ما تنطلق من أسهل فرضية {الأقرب للحادث هو الفاعل} ، هكذا ببساطة دون عناء البحث أو التدقيق ، و كأن قرب المسعف من المصاب جريمة بحد ذاتها ، و الأمر لا يقف عند جرائم القتل فقط ، بل يمتد إلى الحوادث المرورية التي تملأ شوارعنا يومياً ، و هي الأخطر و الأكثر شيوعاً ، كم من مسعف هرع لإنقاذ مصاب في حادث سير ، فوجئ بأن الشرطة تستجوبه على أنه طرف متورط ..!! و هكذا يتحول فعل الشهامة إلى محضر تحقيق ، و تُفرغ الإنسانية من معناها في لحظة كان الأولى أن تُحيا فيها .
و لا يمكن إغفال الدور الكبير للعشائر في هذا السياق ، فهي ما زالت تمثل مرجعية إجتماعية راسخة في حل النزاعات و ردع أصحاب النفوس الضعيفة ، كثيراً ما تكون كلمة العشيرة الفيصل الحقيقي في تبرئة المسعف ، و إعادة الإعتبار له أمام المجتمع ، لأنها تدرك أن المعروف لا يُقطع ، و أن الشهامة لا تُعاقَب ، و من مجالسها تنطلق نواة الإصلاح ، و من أعرافها تُستمد قوة الردع ضد من يحاول أستغلال الموقف أو إتهام البريء ..!!
فحين يكون القانون متأخراً يبقى لسلطة العشيرة أثرها في حماية من أختار أن يمد يده لإنقاذ الآخرين .
النتيجة الطبيعية لهذا المشهد أن كثيرين باتوا يترددون في مدّ يد العون ، يخشون أن يُستدعوا إلى التحقيق أو أن يقضوا أياماً طويلة في المحاكم لإثبات براءتهم من تهمة لم يرتكبوها أصلاً ، و هكذا ينزف المصاب في الشارع بينما ينشغل المارة بالتصوير أو الفرار ، في حين يلوذ أصحاب الشهامة بالصمت خوفاً من مصير مجهول و المطلوب ليس فتح الباب أمام الفوضى أو منح براءة مطلقة لأي شخص يقترب من الضحايا ، بل إصدار تشريعات واضحة تحمي المسعف النزيه ، و قانون صريح يضعه في خانة الشاهد أو المنقذ إلى أن يثبت العكس ، مع تدريب جاد لأجهزة الأمن على التفرقة بين الأدلة الجنائية و ردود الفعل الإنسانية ، و حملات توعية تعيد للمجتمع ثقته بالمسعف ، و تؤكد أنه خط الدفاع الأول في لحظة الخطر ، بل و الأهم تكريم من يغامر بوقته و سمعته من أجل إنقاذ الآخرين بدلاً من تعليقهم على مشانق الشك ..!!
كل يوم يتأخر فيه صدور قانون يحمي المسعف ، هناك حياة تُزهق بلا داعٍ ، و كل لحظة يظل فيها الشارع خالياً من الشجعان ، تُكتب شهادة عجز لمجتمع بأسره ، فهل نصحو قبل أن تفرغ الطرقات من ضميرها ، أم سيبقى الجهل سيّد الموقف ، و يُكافأ الخوف بالصمت ، و يُترك الخير يموت دون أن يجد من يدافع عنه ..؟؟