🛑فرجال... news
في حوار جانبي بعيدًا عن الكاميرات مع الإعلامي المميز سالم مشكور، برز أمامي سؤال مركب يشغل بال طائفة معتبرة من المثقفين والنخب الإعلامية: هل التغول الواضح للتافهين ظاهرة سطحية عابرة، أم أنه يعكس نظامًا أعمق قائمًا على تفاهة منظّمة؟ وما الفرق إذا غيّرنا زاوية النظر والتفكير تجاه هذا النظام؟ كثيرًا ما نعتبر التفاهة مجرد حالة شخصية، أو خللًا في الذوق العام، إلا أن ما يجري في راهن وضعنا جعلني أرى الأمر نظامًا ثقافيًا واجتماعيًا قائمًا على التسلية السطحية، والإثارة اللحظية، والسيطرة على الانتباه الجماهيري ، من زاوية مختلفة لا يعدّ ظهور التافهين في الإعلام والفضاء العام مؤشرًا على ضعف المجتمع فحسب، بل على نجاح هذا النظام في إنتاج وتأطير جمهور مستعد للانجراف خلف القشور والمظاهر،
التغول الحالي للتافهين ليس وليد اللحظة، بل له جذور متراكمة ،منها تحولات الإعلام من الصحافة التقليدية إلى الإعلام الرقمي ومنصات التواصل، حيث يكفي أن تصرخ لتُرى، وتخترق السطحية كل منصات المشاهدة ، ومنها ايضا غياب الوعي النقدي ،غياب التربية الفكرية التي تعلّم تحليل الرسائل واستشراف تأثيرها على الجمهور ،ومنها ما اسميه اقتصاد الانتباه، فكلما ازدادت الصرخة وازدادت السطحية، كلما كسب التافهون مساحة أكبر، والعقول تُصرف نحو استهلاك المثير على حساب الجوهر ، فاذا عكسنا التفكير و إذا غيرنا زاوية النظر تجاه هذا النظام، نجد أن التفاهة ليست قوة مطلقة، بل هي ظاهرة قابلة للمعالجة، التفكير بعمق في النظام، لا في الأفراد فقط، يفتح لنا آفاقًا للتغيير ،فالتافهون ليسوا أصل المشكلة، بل نتيجة بيئة متكاملة من الإعلام، الثقافة، والسياسة التي تهيّئ الظروف لظهورهم، وللتعامل وفق ما أرى مع نظام التفاهة علينا القيام بسلسلة تدبيرات ،منها إعادة تقدير الانتباه ،اي حوّل وقتك من متابعة المثيرات السطحية إلى متابعة المحتوى العميق والمفيد لتضع نفسك خارج دائرة التحكم بالنظام ، وثانيا ،تعزيز التربية النقدية ،عبر دعم التعليم والثقافة التي تعلّم التفكير النقدي، ومهارات التمييز بين المضمون والقشرة ، وثالثا ،الوعي الإعلامي أي لا تستهلك كل ما يُعرض لك على الفور، بل توقف، فكر، ثم قرر ما يستحق التفاعل ، ورابعا ،خلق بدائل جدية أي إنتاج محتوى ثقافي وفكري يعكس قيم العمق والمعنى، ويقدّم للمجتمع نماذج مختلفة عن التفاهة ، وخامسا، المساءلة المجتمعية، اي تذكير الإعلاميين والمثقفين بأن للجمهور قوة التغيير، وأن تجاهل التفاهة أو الرضا بها يضاعف من تأثيرها ، لحظة التنوير من السطور إعلاه أن التغول الواضح للتافهين ليس مجرد صدفة أو فشل شخصي، بل هو مؤشر على وجود نظام كامل قائم على تفاهة منظّمة، ومع ذلك، زاوية التفكير الصحيحة تتيح لنا إدراك أن المستقبل ليس محكومًا بالسطحية، وأن السيطرة على الانتباه وإعادة بناء الذائقة الثقافية والفكرية يمكن أن تقود إلى مجتمع أكثر عمقًا ووعيًا، قادر على مواجهة التفاهة دون خوف أو استسلام.