🛑فرجال... news
بقلم: هدى زوين
في عالمٍ تتداخل فيه المصالح، وتُطوى فيه الصفحات البيضاء تحت ركام الفساد، يبدو الرجل النزيه وكأنه غريب الوجه واليد واللسان. رجل دخل المؤسسة بسيرةٍ طيّبة، وقلبٍ نظيف، لكنه سرعان ما يجد نفسه في بحرٍ من الأوحال، تحيط به الذئاب من كل جانب، وتُزرع تحت خطاه الألغام، لا لشيء سوى لأنه ‘‘مختلف".
في مؤسسات تُدار بالصفقات لا بالكفاءات، ويُصعد فيها من يَعرف لا من يَفهم، يصبح وجود النزيه تهديدًا لا يمكن احتماله. تبدأ النظرات تُطارده، والوشايات تُلاحقه، وتُفرَش أمامه طرق الانكسار: إما أن يُساير الفساد، أو يُقصى بصمت.
تتزين السلطة غالبًا بأقنعة براقة، لكن خلفها وجوه نزعت عنها الرحمة، وداست على الضمير. وجوه تعرف جيدًا كيف تُناور، كيف تتملق، وكيف تحتل النفوذ باسم الولاء، لا باسم الشرف. هؤلاء لا يرون في النزيه إلا حجر عثرة، رجل ‘‘مثالي‘‘ في زمن الواقعية القذرة، يرفض التوقيع على مخالفة، فيُتهم بـ"الجمود"، يرفض التواطؤ، فيُوصم بـ"العدمية"، يدافع عن الحق، فيُشيطن.
لكن، هل ينجو؟
النجاة هنا ليست بمعناها التقليدي. قد يخسر الرجل النزيه منصبه، وقد يُحارَب، وقد يُعزل، لكن بقاءه نزيهًا هو النجاة الحقيقية. النجاة من أن يتحول إلى واحدٍ من القطيع، أو إلى نسخة مشوّهة ممن جاء ليُصلحهم.
النجاة أن لا يبدّل ضميره، حتى إن كُسر.
أن لا يبيع روحه، حتى إن جاع.
أن يبقى صوته شاهدًا، حتى إن أُسكت.
الرجل النزيه لا يُقاس بما ناله، بل بما رفض أن يناله مقابل أن يخون مبادئه. والمؤسسات الفاسدة، مهما تعاظمت، لا تملك تاريخًا مشرّفًا… بل ماضٍ ملوث، ينتظر رجلًا نزيهًا واحدًا ليفضحه.قد لا يُصفّق له أحد، وقد لا تكتب الصحف اسمه، لكن الله والتاريخ لا ينسون.
كاتبة وإعلامية