🛑فرجال... news
بقلم : ا. سعد فياض..
لم يعد الذكاء الاصطناعي (AI) مجرد تقنية مساعدة في مجالات الصناعة والطب والتعليم، بل اقتحم عالم الإعلام بقوة، ليصبح لاعبًا رئيسيًا في صناعة الانطباعات وتوجيه العقول. ومع التطور المتسارع في أدوات التحليل والتنبؤ والتلاعب بالمحتوى، بات السؤال مطروحًا: هل نحن أمام إعلام أكثر ذكاءً يسهّل الوصول إلى الحقيقة، أم أمام آلة عملاقة لإعادة تشكيل الوعي الجماهيري؟
صناعة الانطباع في عصر الخوارزميات:
في السابق، كانت صناعة الانطباع الإعلامي تعتمد على التأطير واختيار العناوين والصور. اليوم، دخلت الخوارزميات إلى اللعبة:
منصات التواصل الاجتماعي تحدد ما يظهر للمستخدم بناءً على تفضيلاته السابقة، فتخلق له فقاعة إعلامية يرى فيها ما يعزز قناعاته فقط.
تقنيات التحليل العاطفي تُمكّن المؤسسات الإعلامية من معرفة ردود أفعال الجمهور فورًا وتعديل خطابها بما يناسب مشاعرهم.
الإعلانات الموجهة باستخدام البيانات الضخمة تُقدَّم بشكل شخصي بحيث توحي للمستخدم أنها ‘‘خاصة به"، فتؤثر على قراراته دون وعي. توجيه العقول: من الإقناع إلى التلاعب:
الذكاء الاصطناعي لا يكتفي بتوصيل المعلومة، بل يملك قدرة على إعادة تشكيل طريقة التفكير:
عبر المحتوى المصنّع آليًا مثل مقالات أو مقاطع فيديو مزيفة (Deepfake) يمكن خلق انطباعات زائفة عن شخصيات عامة أو أحداث.
باستخدام الروبوتات الاجتماعية ، يمكن توجيه النقاشات العامة على تويتر وفيسبوك لتبدو كأنها ‘‘رأي الأغلبية"، بينما هي في الواقع نتاج برمجيات.
الخوارزميات قادرة على التنبؤ بالسلوك السياسي أو الاستهلاكي للأفراد، وبالتالي توجيههم نحو قرارات معينة، كما حدث في قضايا مثيرة للجدل مثل فضيحة ‘‘كامبريدج أناليتيكا".
أمثلة معاصرة في الانتخابات الأمريكية 2016 و2020، اتُهمت منصات التواصل باستخدام الذكاء الاصطناعي في ترجيح كفة بعض المرشحين عبر استهداف الناخبين بمحتوى مخصص.
في العراق، بدأت بعض المؤسسات الإعلامية باستخدام الذكاء الاصطناعي لإدارة الحملات الدعائية على شبكات التواصل، من خلال معرفة اهتمامات الجمهور وتوجيه الرسائل تبعًا لذلك.
عالميًا، أظهرت تجارب الذكاء الاصطناعي في إنتاج الأخبار (كما في وكالة ‘‘أسوشيتد برس‘‘ و"رويترز") أن المستقبل قد يشهد صحفيين آليين يكتبون تقارير كاملة دون تدخل بشري. بين الفرصة والمخاطر: الفرصة: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تقديم محتوى أكثر دقة وسرعة، وأن يساعد الصحفيين في التحقق من الأخبار الكاذبة وكشف حملات التضليل. المخاطر: الخطر الأكبر يكمن في أن يُستخدم كأداة للسيطرة على الرأي العام، وصناعة انطباعات زائفة قد تؤدي إلى قرارات سياسية أو اجتماعية كارثية. توصيات لمستقبل متوازن
1. تشريعات واضحة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام ومنع إساءة توظيفه.
2. تثقيف الجمهور بآليات عمل الخوارزميات حتى لا يقع فريسة للتلاعب غير المرئي.
3. تعزيز الشفافية لدى المنصات الإعلامية حول كيفية اختيار وعرض المحتوى.
4. استخدام الذكاء الاصطناعي في خدمة التحقق من الأخبار بدلًا من نشر الشكوك والتزييف.
ختاما يدخل العالم مرحلة جديدة عنوانها ‘‘الإعلام الذكي"، حيث لم تعد الكلمة والصورة وحدها أدوات تشكيل الرأي العام، بل أصبحت الخوارزميات والذكاء الاصطناعي شركاء في هذه العملية. وبينما يحمل المستقبل وعودًا بالابتكار، فإنه يضع الإنسانية أمام تحدٍ خطير: كيف نضمن أن يكون الذكاء الاصطناعي خادمًا للحقيقة لا أداةً لتزييف العقول؟
---