🛑فرجال... news
حين يمرّ إنسان بوعكة صحية تضطره إلى الرقود في العناية المركزة، تُسخّر له كل الطواقم الطبية والأجهزة الحديثة حفاظا على حياتهم من خطرٍ محدق، غير أنّ الحقيقة أعمق من ذلك؛ فليست الأجهزة ولا الأطباء هي التي تملك أمر إنقاذه، بل إنّ روحه تحت العناية الإلهية المركزة، إن شاء الله جعل الطبيب والأجهزة سببا في الشفاء، وإن شاء قبضه إليه بلا حولٍ من أحد.
ومن هذا المثال ندرك أنّنا جميعا، وخصوصا المؤمنين، نعيش في هذه الدنيا تحت عناية الله المركزة:
{أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}.
فهذه العطايا بحد ذاتها صورة من صور العناية المركزة.
ثم انظر إلى أصل النشأة:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}.
وهذا هو أصل العناية الإلهية في خلق كل إنسان.
ولم تتوقف العناية عند الخلق، بل هي تظل تحيط به دوما: في مأكله ومشربه، في زواجه وذريته، في عطائه وأخذه، في عمله وجهاده في سبيله، فنحن أبدا في رعايته المركزة، يمدّنا بنعمه الظاهرة والباطنة، بما علمنا وما لم نعلم، دون أن يطلب منا شيء سوى طاعته وامتثال أمره، وذلك لأجلنا لا لأجله، ولصلاحنا لا لصلاحه.
حتى من جحد به أو جاهر بكفره، فهو لا يزال غارقا في عناية الله المركزة بكل تفاصيل حياته؛ فمن أين له الحول والقوة لولا أن ربّه يمدّه؟
وقد ورد في الحديث القدسي:
(يا داود! لو يعلم المدبرون عني كيف انتظاري لهم، ورفقي بهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لماتوا شوقا إليّ، وتقطعت أوصالهم من محبتي).
فالعجيب حقا أنّ أهل المعاصي والجحود والكفر يعيشون في صحةٍ وأحوالٍ حسنة، بعناية فائقة من رب رحيمٍ ودود، غير أنّهم غافلون، فإذا جاءهم الموت استيقظوا على الحقيقة التي غفلوا عنها طويلا .ما إن ماتوا انتبهوا .
بقلم
أحمد الخاقاني