🛑فرجال... news
في كل مرة تُفتح صناديق الاقتراع، يتوجه الشعب إليها محمّلاً بآمال متجددة، كأنّها فرصة أخيرة للنجاة. وجوه الناس تفيض بالرجاء، وقلوبهم تنبض بالأحلام: لعلّ القادم أفضل، ولعلّ هذه المرة تكون بداية مسارٍ جديد ينقذ الوطن من أزماته المتراكمة. لكن، وما إن تهدأ أصوات الحملات الانتخابية وتخفت ضوضاء الشعارات، حتى يظهر المشهد ذاته: نفس القيادات، نفس الخطابات، نفس السياسات التي لم تثمر سوى الخراب والخذلان.
إنّ إعادة تدوير الفشل لا تبني وطناً. فكيف يمكن أن نتوقع التغيير من أدوات قديمة أثبتت عجزها مراراً؟ إنّ بلدًا أثقلته الأزمات لا يمكن أن ينهض بعقلية تكرر نفسها كآلة صمّاء، تُعيد نفس الأخطاء وتُغرق الشعب في نفس المستنقع. وما يزيد الطين بلّة أنّ هذه القيادات غالباً ما تحيط نفسها بـ مستشارين ومقرّبين يكرّسون الواقع القائم، فيزيدون الوطن تبعيةً وارتهاناً بدل أن يدفعوه إلى الأمام.
المشكلة ليست في الشعب وحده، بل في لعبة الوهم التي يتقنها السياسيون. يغيّرون شعاراتهم كما يغيّرون ألوان حملاتهم، يبيعون الوعود كسلعة موسمية، ثم يتركون المواطن أسيراً للخيبة. وكأنّ قدر هذا البلد أن يبقى أسير دائرة مغلقة: انتخابات تتبعها خيبات، خيبات تولّد يأساً، واليأس يُمهّد لانتخابات جديدة، وهكذا دواليك.
لكن الحقيقة المرّة أنّ الأوطان لا تُبنى بالتكرار الأعمى. التاريخ لا يُكتب بالانتظار، ولا بالركون إلى نفس العقليات التي أثبتت فشلها، بل يُصنع بالوعي، وبالجرأة على كسر الحلقة. يحتاج الوطن إلى قيادات حقيقية لا تستمد قوتها من الطوائف، ولا من مصالح الخارج، بل من ضمير حيّ وإرادة صادقة تحمل مشروعاً إصلاحياً حقيقياً.
إنّ مسؤولية الشعب اليوم لا تقتصر على التصويت فحسب، بل على الوعي والتمييز. الوعي هو السلاح الوحيد القادر على إيقاف هذه المهزلة المتكررة. فإذا ظلّ المواطن أسيراً للعاطفة، أو للولاءات الضيقة، أو للوعود الفارغة، فإنّ النتيجة ستبقى نفسها: بلد يُستنزف، وأمل يُباع ويُشترى في سوق السياسة.
لقد حان الوقت أن ندرك أنّ التغيير لا يصنعه الآخرون عنا، بل نصنعه نحن حين نرفض أن نكون وقوداً في آلة إعادة إنتاج الفشل. فالبلد الذي يريد أن ينهض، لا بد له أن يتحرر من قيود الماضي ومن النفوذ المقيّد لمسار الإصلاح الذي يجره إلى الوراء. عندها فقط، يمكن أن يبدأ وطنٌ جديد بالظهور من بين الركام.
كاتبة وإعلامية