🛑فرجال... news
بقلم. ا. سعد فياض
يشكّل الإعلام في أي مجتمعٍ ركيزةً أساسيةً من ركائز الدولة الحديثة، فهو المرآة التي تعكس الواقع، والسلطة التي تراقب وتحاسب، والفضاء الذي تتنفس من خلاله الديمقراطية. لكن حين يغيب الإعلام عن أداء دوره المهني والوطني، تنشأ حالة من الفراغ المعرفي والاضطراب الإدراكي، تفسح المجال أمام قوى أخرى لتشكيل الوعي الجماعي وفق مصالحها وأجنداتها.
ويمكن تلخيص تداعيات الغياب ب
أولًا: غياب الدور المهني وتصدّر الخطاب الفوضوي
عندما يُقصى الإعلام المهني أو يُحاصر، تتراجع قيم الموضوعية والتوازن، ويعلو صوت الإعلام الموجَّه والدعائي، فتختلط الحقيقة بالوهم، والمعلومة بالرأي، والخبر بالتحريض. وتتحول المنصات الإعلامية إلى أدوات لتصفية الحسابات السياسية أو الطائفية أو الاقتصادية، بدل أن تكون أدواتٍ للنقد البنّاء وكشف الفساد.
هذا الغياب لا يقتصر على الصمت أو الإقصاء فقط، بل يمتد إلى ما يمكن تسميته بـ"الغياب الموجَّه"، أي حين يُستبدل الإعلام الحر بإعلام مُسيطر عليه يُعيد إنتاج الصورة ذاتها التي تريدها السلطة أو أصحاب النفوذ.
ثانيًا: التأثير في وعي الجمهور وصناعة الانقسام
حين يتراجع الإعلام المسؤول، يتصدّر المشهد الإعلام البديل غير المهني على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر الشائعات ونظريات المؤامرة وخطابات الكراهية، فيتأثر الوعي الجمعي ويُصاب الجمهور بحالة من الارتباك الإدراكي وفقدان الثقة بالمعلومة.
فبدل أن يكون الإعلام أداة توحيدٍ للوعي الوطني، يتحول إلى منصّة لتكريس الانقسام، وتُصبح عملية تشكيل الرأي العام عملية فوضوية لا تخضع للمعايير المهنية ولا للأخلاقيات.
ثالثًا: الآثار المجتمعية والسياسية لغياب الإعلام
غياب الإعلام الفعّال يضعف الرقابة على الأداء الحكومي، ويؤدي إلى تآكل الشفافية والمساءلة، كما يُسهّل تمرير الفساد والقرارات الخاطئة دون نقاشٍ عام.
وعلى الصعيد الاجتماعي، يؤدي هذا الغياب إلى فقدان الثقة بين المواطن والمؤسسات، ويجعل الجمهور أكثر عرضة للتضليل والتعبئة العاطفية، ما يفتح الباب أمام النزاعات والانقسامات الداخلية.
أما على المستوى الثقافي، فإن ضعف الإعلام ينعكس مباشرةً على نوعية الخطاب العام، حيث يغيب التحليل الرصين لصالح الإثارة والتهويل، ويُستبدل الحوار بالجدل، والوعي بالشعار.
رابعًا: نحو استعادة الدور المفقود
استعادة الإعلام لدوره الحقيقي تتطلب إرادة سياسية وتشريعية ومهنية. فلا نهضة إعلامية من دون قوانين تضمن حرية التعبير وتحمي الصحفيين من الترهيب والاحتكار، ولا إعلام وطني من دون مؤسسات مستقلة تضع المصلحة العامة فوق أي اعتبار حزبي أو تجاري.
كما أن إعادة تأهيل الكوادر الإعلامية عبر برامج تدريب وتطوير مستمرة يُعدّ خطوةً حاسمة لتقوية المهنية وإعادة الثقة بين الإعلام والجمهور.
خامسًا: الإعلام كحارس للوعي لا كصدى للسلطة
الإعلام الذي يستعيد دوره هو الإعلام الذي يقف على مسافة واحدة من الجميع، لا يُعادِي ولا يُداهِن، بل يُمارس دوره الأخلاقي في كشف الحقيقة وتنوير المجتمع. إنه الحارس الأول للعقل الجمعي، وصوت المصلحة الوطنية في مواجهة التزييف والهيمنة.