خوارزميات السياسة والاقتصاد..وعالم الذكاء الاصطناعي

ادارة الموقع نشر في 2024-11-09 22:10:03 عدد زيارات الموضوع 153

فرجال...news
ثائرة اكرم العكيدي /كاتبة وباحثة
إن التقدم السريع الذي أحرزه الذكاء الاصطناعي أبهر العالم فأثار حماسته وأطلق صافرة إنذار في آن معا كما طرح تساؤلات مهمة حول تأثيراته المحتملة على جميع مرافق الحياة وخاصة المرفق السياسي والمرفق الاقتصادي . ويصعب التنبؤ بتأثيره المحض لأن الذكاء الاصطناعي سيتغلغل في الاقتصادات بطرق معقدة وما يمكننا قوله بشيء من الثقة هو أننا سنتحتاج إلى الخروج بمجموعة من السياسات التي تكفل الاستفادة بأمان من الإمكانات الهائلة الكامنة في الذكاء الاصطناعي بما يعود بالنفع على الإنسانية.
وبين مؤيدين يحاولون تبرير تسخير الإمكانيات التي توفرها أدوات الذكاء الاصطناعي ومحذرين من خطورة إقحامها في عالم السياسة يتعاظم شأن هذه التقنية الثورية وتطبيقاتها في التأثير على الجمهور والسياسات الخارجية والداخلية والقوة الناعمة
فمع الكم الكبير من تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تطال مختلف جوانب الحياة لم تكن السياسة بمنأى عنها.
وتمثل أحدث نقاط التحول في مجال الذكاء الاصطناعي ثمرة سنوات من الاستثمار في العمل البحثي الأساسي، بما في ذلك من خلال البرامج الممولة من القطاع العام. وبالمثل، فإن القرارات التي يتخذها صناع السياسات الآن سوف تشكل تطور الذكاء الاصطناعي لعقود قادمة. وينبغي إعطاء الأولوية لضمان استفادة المجتمع من التطبيقات على نطاق واسع، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتحسين النتائج في مجالات مثل التعليم والصحة والخدمات الحكومية. ونظرا للانتشار العالمي لهذه التكنولوجيا الجديدة القوية، سيكون عمل الحكومات مهم أكثر من أي وقت مضى.
وبالنسبة لمضمار كعالم السياسة سريع التطور لم يكن البقاء في الطليعة، والمعالجة الفعالة لاحتياجات الناخبين، أكثر أهمية من أي وقت مضى.
ولكن كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم السياسيين ويعزز آليات صنع القرار ويخلق مشهدا سياسيا أكثر شمولا واستجابة لتطلعات المواطنين؟
يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات من مصادر متنوعة، مما يوفر للسياسيين معلومات أولية لا تقدر بثمن حول أي قضية.
ومن خلال الاستعانة بقوة الذكاء الاصطناعي، يمكن للسياسيين الوصول إلى بيانات في الوقت الفعلي حول المشاعر العامة والاتجاهات الديموغرافية وفعالية السياسات المقترحة أو المعتمدة.
وبفضل هذا النهج المستند إلى البيانات يمكن صنع القرارات القائمة على الأدلة مما يسمح للسياسيين بصياغة سياسات تتماشى مع احتياجات وتطلعات ناخبيهم، وتواجه التحديات مهما كانت معقدة.
وبما أن تخصيص الموارد وتحسين كفاءتها لتعظيم الفوائد المجتمعية يمثل إحدى المسؤوليات الرئيسية للسياسيين يبرز دور الذكاء الاصطناعي من خلال تحسين تخصيص الموارد بناء على عوامل مختلفة، مثل التركيبة السكانية للسكان والمؤشرات الاقتصادية، ومتطلبات البنية التحتية.
فبفضل النماذج التنبؤية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي يمكن للسياسيين تحديد المجالات التي تتطلب استثمارات مستهدفة، وتحديد أولويات المبادرات وتحسين مخصصات الميزانية، الأمر الذي يوفر الاستخدام الفعال للموارد، وبالمحصلة نتائج أفضل وتحسين ثقة الجمهور.
وبما أن التعامل مع الناخبين ركن أساسي في هرم السياسة، فبمقدور أدوات الذكاء الاصطناعي إحداث ثورة في هذه العملية، من خلال تسهيل قنوات الاتصال الشخصية والتفاعلية.
وعلاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي دعم إجراء عمليات انتخابية أكثر ديمقراطية وشفافية من خلال أدوات كتحسين إعادة تقسيم الدوائر، والمراجعة الآلية لتمويل الحملات.
وكما ان هناك تفاعل كبير بين الذكاء الصناعي وعلم الاقتصاد يجب على سياسة الحكومة استغالاله بشكل صحيح حيث ان التحول نحو الذكاء الاصطناعي اليوم وربطه بالاقتصاد وانشطته المختلفة يعد قوة دافعة نحو التطور وازدهار الاقتصاد العالمي وهو ما سيفضي بطبيعة الحال الى تحقيق قفزات نوعية وجديدة على مستوى الكفاءة الإنتاجية والصناعية وكافة مكونات التجارة العالمية كما ان مرحلة الذكاء الاصطناعي اليوم تستطيع ابتكار محتوى جديد، يمكن تطبيقه على معظم النشاطات الإنسانية والاقتصادية.
إن أحد أهم مجالات التفاعل بين الذكاء الاصطناعي وعلم الاقتصاد هو التنبؤ والتحليل مما يمكن للنماذج الذكية الاستفادة من البيانات الاقتصادية الكبيرة وتحليلها بسرعة هائلة، وصولا الى المساعدة في التنبؤ باتجاهات الأسواق واتخاذ قرارات استثمارية أكثر ذكاءً. فعليه ينبغي لصناع السياسات تحديد الخطوات ذات الأولوية نحو اكتساب مزيد من الصلابة الاقتصادية مثل تعزيز مالية الحكومة وإنعاش آفاق النمو الاقتصادي.
ومن منظور الاقتصاد الكلي، يبدو أن الذكاء الاصطناعي هو الحل الذي كنا ننتظره لمعالجة تباطؤ الإنتاجية الذي أدى إلى تباطؤ النمو في الاقتصادات المتقدمة على مدار العقدين الماضيين.
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في العراق في القضايا التي تتعلق بمكافحة الفقر، والقضايا الأخرى التي تتعلق بمشاكل ندرة المياه والجفاف والتصحر والنزوح من الريف إلى المدنية، فالمتواليات الحسابية التي يمكن رسمها من خلال الذكاء الاصطناعي يمكن أن تبني توقعات مسبقة في مواجهة القضايا التي لا يمكن الأخذ بها بنظر الاعتبار. من المتوقع بأن تتعرض البلدان التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة إلى جانب البنى التحتية المتطورة ربما ستتعرض اقتصاداتها إلى تسريح 40% من الأيدي العاملة الماهرة بسبب إحلال الذكاء الاصطناعي محلهم ولا يتوقع أن تشكل تلك الحالات ضرراً على الاقتصادات الأقل نمواً ومنها العراق. وسيكون على العراق بناء قاعدة تشريعية منظمة لآليات التعاطي والتعامل مع الذكاء الاصطناعي، وبالتركيز على النزاعات التي قد تترتب على استخدام هذه التكنولوجيا وتطبيقاتها والخلافات التي قد تترتب على استخداماتها.
لا يمكن إدماج الذكاء الاصطناعي في بيئة الأعمال في العراق في الوقت الحاضر وبصورة شاملة بسبب تخلف البنى التحتية والأنظمة الاقتصادية ولكن بالإمكان البدء في التركيز على القضايا الملحة التي تتطلب حلولاً ذكية والتي تشكل معضلة حالية قابلة إلى التضخم مستقبلاً منها مشكلة التصحر والتغيرات المناخية وتعزيز الأعمال وفرص التشغيل.
ومن أجل تحقيق الهدف يجب الاعتماد على أبعاد الذكاء الاصطناعي في التدريب والتطوير الملائمة الفاعلية واعتماد أبعاد القرار الإداري البعد الزمني جودة القرار قبول القرار وتوظيف ممن يمتلكون خبرات علمية وعملية في مجال الذكاء الاصطناعي، فضلا عن تدريب العاملين على الكفاءة في استخدام برامج الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته.
العراق اليوم بحاجة إلى تطوير العناصر البشرية التي لها القدرة على استخدام الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته الاقتصادية ليكون قادراً على التعامل مع هذا النمط من أساليب الإنتاج وفق سقف زمني.
ويمكن للاقتصاد العراقي تحديد الأولويات في إمكانية خلق مناطق تركز صناعي وزراعي أو خدمي، تنشأ بموجبها منصات تعمل على تعزيز النمو الاقتصادي، وهذه المناطق تتوفر فيها كل ما يتطلبه المناخ الاستثماري وإمكانية استغلال الموارد المحلية.
كما إن الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل الأنواع الأخرى من الابتكارات يمكن أن يؤدي إلى زيادة عدم المساواة في توزيع الدخل وتركز الثروة. وبالتالي، ينبغي تعزيز الضرائب على الدخل الرأسمالي لحماية القاعدة الضريبية من زيادة التراجع في حصة العمالة من الدخل وتعويض تزايد عدم المساواة في توزيع الثروة. وهذا أمر بالغ الأهمية، لأن زيادة الاستثمار في التعليم والإنفاق الاجتماعي لتوسيع نطاق مكاسب الذكاء الاصطناعي سوف يتطلب زيادة الإيرادات العامة.
والبعض يرى أن الذكاء الاصطناعي يأتي كحلٍ إبداعي وجذري للتحديات الأكثر إلحاحاً ومنها القضاء على الفقر. بينما يرى البعض الآخر أنه يعني اختفاء الوظائف وجزءاً كبيراً من عالم ما بعد الثورة الصناعية كما عهدناه.
وكلا الرأيين يحملان شيئاً من الحقيقة.
ليست لدينا حتى الآن صورة كاملة عن تأثير الذكاء الاصطناعي على الهياكل الاقتصادية والوظائف والإمكانات البشرية والسعي الصعب لتحقيق التقدم، غير أننا نرى بالفعل أنه سيكون محركاً لثورة تكنولوجية.
وتنطوي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي الجديدة على إمكانات هائلة لتعزيز الإنتاجية وتحسين تقديم الخدمات العامة ولكن السرعة الهائلة للتحول وحجمه يثيران أيضا مخاوف بشأن فقدان الوظائف وزيادة عدم المساواة. ونظرا لعدم اليقين بشأن مستقبل الذكاء الاصطناعي، ينبغي للحكومات أن تتبنى منهجا يتسم بالسرعة ويعدها لمواجهة سيناريوهات مربكة بشكل كبير.
وتشير الدروس المستفادة من موجات الأتمتة السابقة ونماذج صندوق النقد الدولي إلى أن تأمينات البطالة الأكثر سخاء يمكن أن تؤدي إلى تخفيف الأثر السلبي للذكاء الاصطناعي على العمالة مما يسمح للعاملين المسرحين بالعثور على وظائف تتناسب مع مهاراتهم بشكل أفضل. والمجال واسع أمام معظم البلدان لتوسيع نطاق تغطية تأمينات البطالة وزيادة سخائها، وتحسين إمكانية تحويل الاستحقاقات، والنظر في أشكال التأمين على الأجور.
وتعتبر عمليات التحول باهظة التكلفة ومع أننا نحوز أدوات السياسات العامة والمؤسسات اللازمة للتخفيف من آثار الذكاء الاصطناعي بشكل فعال، فإننا سنحتاج أيضاً إلى أدوات جديدة. ويشمل ذلك وضع سياسات ولوائح مالية جديدة لضمان أن تعود زيادة الإنتاجية بالنفع على العمالة بقدر ما تفيد رأس المال. ولابد من دراسة إعادة التوزيع والتوزيع المسبق، كما يسميه أنغوس ديتون في كتابه ‘‘الاقتصاد في أميركا"، بعناية لكي نضمن تجنب الزيادة الكبيرة في عدم المساواة التي شهدناها خلال الثورات التكنولوجية السابقة، وحماية المؤسسات الديمقراطية.
إننا نمتلك القدرة على تحديد الشكل الذي سيكون عليه المستقبل وسيتوقف التأثير على فرص العمل على ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيكون بديلاً للعمالة أو سيكون مكملاً لها، وهو ما يمكن التأثير عليه من خلال سياسات المالية العامة والحوافز واللوائح التنظيمية. فإذا كان مكملاً للعمالة، فقد يمكنهم من رفع مستوى كفاءتهم أو أداء العمل بجودة أعلى، أو إنجاز مهام جديدة. ويمكن أن تؤدي هذه المكاسب الكبيرة في الإنتاجية إلى خلق فرص عمل جديدة، إما في الصناعة نفسها أو عن طريق التوسع في أنشطة الصناعات المرتبطة بها. وقد يؤدي التقدم في الرعاية الصحية والتعليم إلى تحسين مستويات المعيشة بصورة كبيرة.
وفي نهاية المطاف فإن تحديد عدد فرص العمل التي يتم توفيرها مقابل الوظائف التي تختفي وأي فئة من العمالة تواجه أكبر قدر من التغيرات، وكيف يعزز الذكاء الاصطناعي التشغيل الآلي عبر مختلف الصناعات، وأين توجد هذه الصناعات، ستعتمد جميعها على خيارات السياسات التي نعتمدها اليوم. وحتى إذا كانت الاقتصادات المتقدمة ستتأثر بشكل خاص في البداية، فإن الاقتصادات النامية، والتي يندر فيها رأس المال والعمالة عالية المهارات وترتفع فيها الضغوط الديموغرافية، ستتأثر أيضاً في نهاية المطاف.
وفي حين أننا لا نستطيع التنبؤ على وجه اليقين بمدى قدرة الذكاء الاصطناعي على تغيير الأمور، يمكننا أن نكون متيقنين أنه يحمل وعداً بتغيير جذري، وهو التغيير الذي يمكننا أن نحدد شكله وأسلوبه. وكما يقول دارون أسيموغلو وسيمون جونسون الاستاذان في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كتابهما القوة والتقدم فإن الرخاء المشترك لم يظهر إلا عندما تم إبعاد اتجاه التقدم التكنولوجي ونهج المجتمع نحو تقسيم المكاسب بعيداً عن الترتيبات التي تخدم القلة في المقام الأول. لذلك دعونا نعمل على ضمان استفادة الجميع من الثورة التكنولوجية الأخيرة للذكاء الاصطناعي.
للذكاء الإصطناعي إيجابيات كثيرة لكنه خطر على الإنسان في المستقبل حيت سيعتمد عليه في إنجاز المهمات و المهارات و يفقد الإنسان قدرته عن تطوير مهاراته و يعتمد كليا على الذكاء الإصطناعي الدي يعتمد على روابط و برامج نموذجية و ليست لها القدرة للتفكير مثل البشر، هي مجرد برمجيات. و يعد الذكاء الاصطناعي تلميذ كسول لا يستطيع التطور الا بما برمج عليه وهدا سيؤتر على سلوك الإنسان....
وبالمحصلة، وبالرغم من المخاوف الحقيقية بشأن أخلاقيات ومخاطر الذكاء الاصطناعي في السياسة، إلا أنه علينا أيضا ألا نهمل الفوائد المحتملة التي يمكن أن تقدمها هذه التكنولوجيا، وربما يكون الحل التوفيقي بأن يتم إخضاعها لقوانين ناظمة تضمن أن يكون تطويرها مسؤولا ويراعي المخاطر المترتبة عليها كالخصوصية، ومخاوف أفراد المجتمع بشأنها.
وفي حين أننا سنكون أفضل حالاً على المدى الطويل، فإن السؤال الرئيسي هو ماذا سيحدث خلال العقد القادم؟ وما الذي يتعين على المجتمع والحكومة القيام به لتسهيل عملية التحول. وبعبارة أخرى، كيف يمكننا تسخير عملية التدمير الخلاق الناجمة عن الذكاء الاصطناعي من أجل تحقيق الرخاء المشترك...

مواضيع قد تعجبك