موسم الجدل حول جامعة الدول العربية... بقلم الكاتب العربي محمد علي عابد الجابري

ادارة الموقع نشر في 2025-06-09 09:44:39 عدد زيارات الموضوع 231

فرجال.. News
موسم الجدل حول جامعة الدول العربية.. حصريا.. لوكالة اخبار فرجال.. News
بقلم الكاتب العربي المتخصص(( محمد علي عابد الجابري))... 
يتصاعد الحديث بين فترة وأخرى تبعاً للتطورات، حول أحقية الدول أعضاء جامعة الدول العربية بشغل أحد مواطنيها المتخصصين لمنصب الأمين العام للجامعة -بعد أن جرت العادة وسرت مسرى القوانين، وكرسه نقل مقرها إلى تونس خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي- على أن يتولاه مواطن من ذوي الخبرة (وزير خارجية سابق) ينتمي إلى جنسية دولة مقر الجامعة، جمهورية مصر العربية، حيث تنص المادة العاشرة من ميثاقها النافذ حالياً على أن: ‘‘تكون القاهرة المقر الدائم لجامعة الدول العربية، ….."، وتزداد حدة الجدل عادة قبل إنتهاء الفترة القانونية للأمين العام للجامعة بعام، بإعتبار أن هذه الفترة تشهد تحركات وإتصالات بين الدول الفاعلة والمؤثرة في منظومة العمل العربي المشترك، للتوافق حول الشخصية التي ستتولى هذا المنصب خلال الفترة المقبلة، ويتم تغليف الحديث بهذا الشأن بملاحظات تقليدية تكررت كثيراً خلال السنوات الماضية، وتتمثل بضرورة تطوير عمل الجامعة، ومؤاخذات حول قصوره، والتأكيد على أهمية القيام بمهامها، والتلويح بنقل مقرها إلى دولة أخرى،
وتوضيحاً لهذا الموضوع أمام الرأي العام العربي، وإزالة للبس ومحاولات التشويش، وتحقيقاً للفائدة المرجوة، يرى كاتب هذه السطور إيجاز خلفيات ودواعي هذا الموضوع بمايلي:
* مسار تطوير جامعة الدول العربية القائم حالياً:
1- لقد شكّلت قمة بغداد التي عقدت في 29 مارس/ آذار 2012، نقطة إنطلاق وأرضية مهمة للشروع بتطوير عمل جامعة الدول العربية بكافة جوانبه، وذلك بموجب قراراها حول الموضوع المُعنون: ‘‘تطوير أنظمة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية"، والذي فوّض الأمين العام إتخاذ القرارات اللازمة لإعادة هيكلة الأمانة العامة وتطوير أنظمتها بما يمكّنها من الإرتقاء بأساليب عملها وتحسين أدائها ومواكبة المستجدات على الساحتين العربية والدولية، وعرض تقرير بما سيتم إتخاذه من إجراءات تنفيذية في هذا الموضوع على مجلس الجامعة على المستوى الوزاري دورته العادية المقبلة.
2- إستند قرار قمة بغداد المذكور، على قرار مجلس الجامعة على المستوى الوزاري المؤرخ في 2011/9/13، الذي كان قد أصدره، في ضوء التقرير المقدم من الأمين العام حول نشاط الأمانة العامة للجامعة، المرفوع إلى المجلس، وتنفيذاً لهذا القرار، شكّل المرحوم الدكتور نبيل العربي، الأمين العام السابق للجامعة ‘‘اللجنة المستقلة لدراسة سبل إصلاح وتطوير جامعة الدول العربية‘‘ برئاسة الأخضر الإبراهيمي، الشخصية الدبلوماسية الجزائرية المعروفة، حيث وجّه الأمين العام، اللجنة بتقديم تقرير يتضمن مقترحات وتوصيات محددة حول العديد من جوانب عمل جامعة الدول العربية.
3- تمخضت أعمال اللجنة المستقلة ومداولاتها ولقاءاتها مع عدد من المسؤولين والمثقفين، والتي امتدت لمدة تزيد على العام، عن إصدار تقرير يقع في 55 صفحة، ويقوم على مبدأ أساسي، هو أن إصلاح العمل العربي المشترك لا يتم من خلال خطوة واحدة تعالج كافة مواطن الضعف، بل يجب أن يكون عملية متواصلة، تتسم بالواقعية والطموح في ذات الوقت.
4- ينقسم التقرير إلى أربعة فصول، يطرح الفصل الأول منها إطاراً فكرياً لعمل جامعة الدول العربية، يشمل المبتغى من الجامعة العربية، والقواعد اللازمة لنجاح العمل العربي المشترك وأولوياته، فيما يركز الفصل الثاني على عملية إصلاح منظومة جامعة الدول العربية من كل جوانبها، وعلى مستوياتها المتعددة ابتداءاً بالأمانة العامة وانتهاءاً بمؤسسة القمة، ويتناول الفصل الثالث كيفية إصلاح علاقة جامعة الدول العربية بالشعوب العربية وإشراك الشعوب في عملها، ويطرح الفصل الرابع مقترحاً لجعل التقييم والتطوير جزءاً من عمل جامعة الدول العربية المستمر.
5- عقب ذلك، شكّل مجلس الجامعة على المستوى الوزاري، بتاريخ 2013/3/6، لجنة من الدول الأعضاء والأمانة العامة للنظر في المقترحات والتوصيات الواردة في تقرير اللجنة المستقلة ووضعها موضع التنفيذ، وسُميت اللجنة المُشكلة ب"اللجنة مفتوحة العضوية لإصلاح وتطوير جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين"، التي إنتقلت رئاستها خلال الأعوام الماضية، بين عدد من الدول الأعضاء تبعاً لتداول رئاسة القمة العربية، وتسهيلاً لعمل هذه اللجنة فقد تم إسناد مهمة إنجاز الموضوعات الواردة في تقرير اللجنة المستقلة إلى أربع فرق عمل، ترأست كل منها دولة عضو أبدت رغبتها بذلك، وقوبلت هذه الرغبات بموافقة الدول الأعضاء، آنذاك، ويختص كل فريق بدراسة أحد الموضوعات الرئيسية الواردة في تقرير اللجنة المستقلة، حيث اختص الفريق الفريق الأول بتعديل الميثاق، والفريق الثاني بأجهزة وآليات جامعة الدول العربية، والفريق الثالث بتطوير العمل الإقتصادي والإجتماعي العربي المشترك، والفريق الرابع بالبعد الشعبي للعمل العربي المشترك، وتجتمع هذه الفرق منذ ذلك الحين وحتى الآن على أمل الوصول إلى صياغات نهائية بشأن الموضوعات التي تختص ببحثها، ولم يُنجز أيٌ منها مهمته، حتى تاريخه بسبب إستمرار التباين في وجهات النظر بشأن المخرجات والنتائج التي من المفترض رفعها إلى اللجنة مفتوحة العضوية من المندوبين الدائمين للدول الأعضاء لدى جامعة الدول العربية، ولا تختلف هذه التباينات كثيراً عن تلك التي أعاقت محاولات تطوير عمل الجامعة عبر تاريخها، وبالنسبة لطبيعة التعديلات فإنها تستهدف جملة أمور مهمة تضمنها ميثاق جامعة الدول العربية، وأصبح من الضروري تعديلها، كإعادة تعريف رؤية الجامعة العربية لنفسها في ضوء تطورات العصر، وأولويات العمل العربي المشترك وقواعده، وعمل هيئات ومجالس ومنظمات الجامعة المتخصصة، كمجلس السلم والأمن، والمجلس الإقتصادي والإجتماعي، والبرلمان العربي، ومحكمة العدل العربية ومحكمة حقوق الإنسان، وتنظيم العلاقة بين مستويات التعاون ودرجاتها المتعددة، بحيث تصب كل أشكال التعاون العربي في العمل العربي المشترك ولا تكون بديلاً عنه.
6- كما تتطلب عملية التطوير النظر في أسبقية إلتزامات الدول العربية المترتبة على أحكام الميثاق إزاء الإلتزامات التعاقدية الأخرى التي تدخل فيها هذه الدول، وذلك أسوة بالوضع التعاقدي في ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أولوية الإلتزامات المترتبة عليه، على أية إلتزامات ترتبط بها أية دولة عضو، فمن المنطقي أن ينص الميثاق الجديد لجامعة الدول العربية على ضرورة تفادي التضارب بين إلتزامات الدول العربية المترتبة على أحكام هذا الميثاق وإلتزاماتها القانونية الأخرى.
7- لقد بقي موضوع النص على اختصاصات الأمين العام ومسؤولياته بما يُمكّنه من الإضطلاع بدوره المحوري في تنشيط العمل العربي المشترك، نقطة خلاف وإختلاف بين بعض الدول الأعضاء، شأنه شأن باقي محاور تطوير جامعة الدول العربية.
8- وفي هذا السياق يرى متخصصون أهمية تضمين الميثاق في شكله الجديد بنداً ينص على آلية دورية تطويره، بحيث تخلق عملية مستمرة لمراجعة أسس العمل العربي المشترك وتطويرها بما يواكب إحتياجات الشعوب والدول العربية، ولضمان بقاء الميثاق متصلاً بالأوضاع العربية والدولية وتطوراتها.
* تقييم وخلفية تاريخية لموضوع تطوير جامعة الدول العربية:
لقد بقي موضوع تطوير الجامعة لصيقاً بمسار تعديل ميثاقها، ويُعد هذا الأمر طبيعياً من جهة أن الميثاق يُمثل رافعة عملية التطوير الرئيسية التي تنطلق منها باقي المسارات، وإن موضوع تطوير جامعة الدول العربية، ليس بجديد، خاصة أن ميثاقها نفسه قد أشار إلى جواز تطويرها في مادته العشرين، لذا نجد أن الحديث عن تطويرها قد بدأ مبكراً وبعد سنوات قليلة من نشأتها، فبعد أقل من ثلاث سنوات على هذه النشأة، وتحديداً في 19 فبراير/ شباط 1948، طالبت إحدى الدول الأعضاء بتعديل الميثاق، وفي 13 أبريل/ نيسان 1950، وافق مجلس جامعة الدول العربية، في دورته العادية الثانية عشر، على معاهدة الدفاع المشترك وملحقها العسكري، والتي كانت تُعد نقلة نوعية في عمل الجامعة، لما نصت عليه في مادتها السادسة، من أن ما يقرره مجلس الدفاع المشترك بأكثرية ثلثي الدول يكون ملزماً لجميع الدول المتعاقدة، لكن بعض الدول أبدت تحفظاتها -لأسباب مختلفة- ما منع إنطباق النص عليها، فضلاً عن أن الممارسة اللاحقة لأكثر من 74 عاماً، لم تشهد تطبيقاً واحداً لهذا النص، وتوالت بعد ذلك مشاريع التطوير المُقدمة من الدول الأعضاء كمشاريع إنشاء إتحاد بين الدول العربية بشكل تدريجي، والذي تقدمت به دول عديدة في حقب مختلفة، ولكنها لم تحظَ بالإجماع والموافقة، ومبادرات أخرى تقدمت بها الأمانة العامة للجامعة في إطار التطوير كإقتراح أن تكون قرارات مجلس الجامعة التي تُتخذ بالأكثرية مُلزمة لجميع الأعضاء، ودعم معاهدة الدفاع المشترك وتعزيزها، وبالرغم من تكرار الأمانة العامة لهذا الطلب وغيره، إلا أنه لم يحظَ بالإجماع أيضاً، وفي 11 سبتمبر/ أيلول 1964، قررت القمة العربية في دور انعقادها الثاني بالإسكندرية، إنشاء ‘‘محكمة العدل العربية"، التي ألمح إليها ميثاق الجامعة في مادته العشرين، غير أن هذا القرار دخل في رحلة تيه طويلة بين مناقشات الخبراء الذين إتفقوا في النهاية على مشروع نظام أساسي للمحكمة، وبالرغم من عودة هذا الموضوع إلى الواجهة لاحقاً فقد تم رفعه من جدول أعمال مجلس الجامعة ضمن موضوع التطوير لوجود خلافات بين الدول تتعلق بولاية المحكمة واختصاصها.
ثم وافقت قمة الرباط في عام 1974 على تعديل ميثاق الجامعة، وشُكّلت لجنة لهذا الغرض على أن تُعرض تطورات الموضوع على القمة التالية، لكن الظروف شاءت أن تختص تلك القمة التي عقدت في عام 1976 بالحرب الأهلية اللبنانية، لتفرض الأحداث السياسية نفسها على أجندة العمل العربي المشترك، بعد ذلك، كالتطورات المصاحبة لإتفاق كامب ديفيد الذي شُغلت به قمة بغداد في عام 1978، ولتُطالب قمة تونس في عام 1979 بالإسراع في إنجاز موضوع تعديل الميثاق، وتكررت المطالبة بالأمر نفسه في قمة عام 1980، ثم أشارت قمة فاس في عام 1982 إلى تأجيل عرض مشروع التعديل على القمة لمزيد من الدراسة، على أن تُرفع مشاريع التعديل إلى القمة التالية، ولم تبحث ثلاث قمم تالية هذا الموضوع، وذلك في الأعوام 1985و1987 و1988 إلى أن تذكرته قمة عام 1989 التي قررت إعادة النظر في مشروع تعديل الميثاق حتى يأتي ‘‘مستشرفاً آفاق جديدة، ومرسخاً شمولية دور الجامعة في العمل العربي المشترك، ودفع مسيرته".
من الواضح أن ‘‘إعادة النظر‘‘ هذه لم تكن قد تمت قبل إنعقاد قمة بغداد في مايو/ آيار 1990، حيث طالبت تلك القمة وزراء الخارجية العرب بإتمام الإجراءات المتعلقة بتعديل الميثاق، ورفع توصياتهم إلى مؤتمر القمة التالي بالقاهرة، وقد عُقدت قمة ثانية بالفعل بعد أقل من ثلاثة شهور، ولكنها لم تنظر في تعديل الميثاق وإنما شُغلت بغزو العراق للكويت، وهو الغزو الذي أدى إلى تعذر إنعقاد القمم العربية حتى عام 1996، وفي ذلك العام عُقدت قمة في القاهرة دون أن تشير إلى تعديل الميثاق مطلقاً، بل تحدثت تحديداً عن ‘‘إحترام ميثاق الجامعة العربية"، وشُغلت القمة التالية في القاهرة عام 2000، بدعم إنتفاضة الأقصى، وبدأ حديث ‘‘التطوير‘‘ بصفة عامة وليس تعديل الميثاق، يأخذ طريقه إلى قرارات قمة عمّان الدورية الأولى في مارس/ آذار عام 2001، والتي يُلاحظ بالإضافة إلى ذلك أنها حرصت على تسجيل تدارسها حال الأمة ‘‘إستناداً إلى ميثاق الجامعة العربية وأهدافه"، ولم تبحث قمتي بيروت في عام 2002 وشرم الشيخ في عام 2003 تعديل الميثاق، وإن تردد حديث التطوير فيهما بصفة عامة، وهكذا استغرقت محاولات تعديل الميثاق رحلة طويلة على مدار عشرات الأعوام.
وفي أعقاب إحتلال العراق في عام 2003 بدا وكأن قوى التطوير ما زالت حية وقادرة على التقدم بمبادرات لتطوير الجامعة تمثلت في سلسلة من المبادرات والمقترحات لإصلاح منظومة جامعة الدول العربية، وقد قامت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية قبل إنعقاد القمة الدورية في تونس عام 2004، بمحاولة لتأطير هذه المبادرات والمقترحات ففرقت بداية بين تلك المبادرات التي تفضي إلى تغيير نظام الجامعة وتتمثل في المبادرتين الليبية واليمنية اللتين وُضعتا بنصهما في تقرير الأمين العام، وأخرى يُمكن إيجاد قواسم مشتركة بينها تتمثل في باقي المبادرات التي أمكن إستخلاص عدد من مقترحات التطوير منها، وتتضمن إنشاء برلمان عربي ومجلس أمن عربي ومحكمة عدل عربية ومصرف عربي للإستثمار والتنمية وهيئة لمتابعة تنفيذ القرارات ومجلس أعلى للثقافة العربية، فضلاً عن مقترحات لتعزيز العمل الإقتصادي العربي المشترك وتطوير المجلس الإقتصادي والإجتماعي وتفعيل نظام إعتماد القرارات في جامعة الدول العربية، وتجمعت مبادرات إصلاح جامعة الدول العربية وأفكار التطوير الداخلي لأعضائها لتكون محوراً أساسياً من محاور إهتمام قمة تونس الدورية التي كان مقرراً لها أن تُعقد في مارس/ آذار عام 2004 فتأجلت، لتُعقد لاحقاً في مايو/ آيار من العام نفسه، وبقي الأمل قائماً حينذاك في أن توافق على أحد مقترحات التطوير على الأقل كبداية، وأن تُقر بعضها من حيث المبدأ، وأن تُحيل شريحة ثالثة منها لمزيد من الدراسة، لكن القمة تفادت مناقشة الموضوع أصلاً فأُحيل الملف برمته إلى قمة الجزائر 2005.
* بعثات جامعة الدول العربية في الخارج:
يعود موضوع ‘‘جدوى إستمرار عمل بعض بعثات جامعة الدول العربية في الخارج"، دائماً إلى الواجهة عند الحديث عن تطوير جامعة الدول العربية، والذي سبق مناقشته خلال إجتماعات عديدة من قبل الدول الأعضاء، واللجنة المختصة، وكانت النتيجة تعذُّر الإتفاق حول معايير وضوابط محددة لإغلاق بعثات والإبقاء على أخرى، فالبعثة التي تعتبرها دولة ما غير ذات فائدة من منظور مصالحها الوطنية، قد تعتبرها دولة أخرى أنها ضرورية ومهمة، ناهيك عن أن فتح بعض البعثات جاء في إطار إتفاقيات تأسيس منتديات التعاون بين دول الجامعة والدول التي تتواجد فيها هذه البعثات ومن غير المناسب بروتوكولياً غلق بعثة للجامعة في دولة أجنبية سعت إلى فتحها ورحبت بها وقدمت كل التسهيلات والإمتيازات لها، كما أنه من غير المناسب غلق البعثة في دولة تدعم القضايا العربية بالمحافل الدولية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وهذا ما حصل بالفعل حينما عارضت دولة فلسطين غلق إحدى بعثات الجامعة في دولة امريكية لاتينية تدعم حقوق الشعب الفلسطيني.    
* الرواتب والإمتيازات المالية لقيادات وموظفي الأمانة العامة لجامعة الدول العربية:
لطالما أُثير موضوع الرواتب والإمتيازات المالية لقيادات وموظفي الأمانة العامة للجامعة، على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي المختلفة، بشكل غير موضوعي، يهدف من يقف وراءه إلى إثارة الجدل وتأليب الرأي العام العربي، والحقيقة أن قيادات الأمانة العامة للجامعة ممثلين بأمينها العام والأمناء العامين المساعدين الذي ينتمون إلى 12 جنسية عربية، والموظفين الدائمين من مختلف الفئات والجنسيات، يتقاضون رواتب وإمتيازات مالية متواضعة قياساً بأقرانهم في المنظمات الدولية والإقليمية، فقد تم تصوير هذا الموضوع وكأنه يأتي في مقدمة موضوعات التطوير المهمة، وتم تصويره على أنه يستنزف موازنة الأمانة العامة للجامعة، وفي الحقيقة أن الأمانة العامة لم تعوُّض عدداً كبيراً من موظفيها الذين إنتهت خدماتهم بآخرين جُدد خلال السنوات الأخيرة، بالرغم من وجود درجات وظيفية متاحة في هيكلها الإداري، كما لم يتم التعيين على درجة مستشار الأمين العام المُخصص لها عدد من الدرجات ومتضمنة في النظام الأساسي للموظفين ولائحته التنفيذية الملحقة بالميثاق، ولم يتم شغلها بعد إنتهاء خدمات من كانوا يشغلونها، وذلك بسبب محدودية موازنة الأمانة العامة، لأن إجمالي نسبة سداد الدول بموازنة الجامعة السنوية باتت لا تتعدى ال 50% في أحسن الأحوال، خلال السنوات الأخيرة، كما لم تطرأ أي زيادة على هذه الرواتب والإمتيازات منذ عدة سنوات، بل تم تخفيض نسبة مكافأة نهاية خدمة الموظفين بشكل مجحف، بالرغم من أنها تُشكل المصدر الوحيد لعيشهم بعد تقاعدهم، وفي ظل عدم وجود نظام أو صندوق للمعاشات يضمن لهم الحياة الكريمة لقاء خدمتهم لهذه المنظمة العريقة.
الخلاصة:
لا يُخفى أن تواضع مسيرة تطوير جامعة الدول العربية يعود إلى خصائصها البنيوية، فهي مبنية على عدم المساس بسيادة الدول الأعضاء وبالتالي فإن أي تقدم في مسألة التطوير يتطلب إرادة جماعية من الواضح أنها لم تتوافر إلا في حالات قليلة، وحتى عندما توافرت عادت القطرية لتحدد من جديد مدى إلتزام الدول الأعضاء بما تقرر، وكان التزاماً متواضعاً في الأغلب الأعم من الأحوال، كذلك لا شك أن الإنقسامات والنزاعات بين الدول الأعضاء قد أعاقت مسيرة التطوير بقدر ما قلّلت من فرص تكوين الإرادة الجماعية الضرورية لحدوثه.
ويجدر القول في هذا السياق أن إصلاح جامعة الدول العربية اليوم لا يمكن أن يبدأ من مدخلات ومقاربات قديمة، مثل تعديل الميثاق أو آلية إتخاذ القرارات أو تعديل الهياكل المؤسسية والإدارية للجامعة، فالظروف الموضوعية غير مواتية الآن للحديث عن هذا النوع من الإصلاح، ولكن يجب البحث عن أفكار ومبادرات جديدة وعملية تُراعي التغيُّرات الإقليمية وما تمر به بعض الدول العربية من حالة عدم الإستقرار.
ومما تقدم، يمكن القول أن موضوع تطوير جامعة الدول العربية، يخضع للإرادات السياسية للدول الأعضاء ولتوافقات على أعلى المستويات، خاصة إذا أخذنا بنظر الإعتبار أن إصلاح المنظمة الأكبر، الأمم المتحدة وجهازها الرئيسي مجلس الأمن، مطروح على طاولة النقاش والحوار منذ سنوات عديدة، ولم يشهد أي تقدم، كما أنه من المهم تقرير الدول الأعضاء ترتيب العمل العربي المشترك ضمن أولوياتها الوطنية، ومدى علوية التزاماتها بموجب ميثاق جامعة الدول العربية، على باقي التزاماتها التعاقدية البينية أو مع قوى دولية، سواء في المجال السياسي أو الأمني أو العسكري أو الإقتصادي والإجتماعي، ويأتي العامل المالي في مقدمة عوامل نجاح منظمة متعددة الأطراف كجامعة الدول العربية، لأنه سيُّمكنها بالضرورة من القيام بمهامها المنوطة بها بموجب ميثاقها، وبالتالي فإن أي مقاربة أو تصوُّر لتطوير عمل الجامعة ينبغي أن يضع هذا العامل في في صدارة سُلّم الأولويات، التي بات من المهم جداً تحديدها والشروع بالعمل عليها، وإتخاذ خطوات جادة ومبرمجة بأطر زمنية محددة تنهي مسار تطوير الجامعة وبشكل توافقي يأخذ في نظر الإعتبار انشغالات جميع الدول الأعضاء، عملاً بما نص عليه قرار قمة البحرين في 16 مارس/ آذار 2024، بشأن ‘‘تحديث وتطوير جامعة الدول العربية وإصلاح آليات عملها"، حيث تضمن القرار تكليف اللجنة مفتوحة العضوية على مستوى المندوبين الدائمين وفرق العمل المنبثقة عنها لتحديث وتطوير جامعة الدول العربية وإصلاح آليات عملها بمواصلة أعمالها وتقديم تقرير توافقي وشمولي عن مهامها الموكلة اليها، وعرض النتائج على الدورة العادية المقبلة لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري، والذي قرر في ختام أعماله بتاريخ 2024/9/11، تأجيل النظر بعدد من بنود جدول أعمال الدورة ومن بينها القرار الخاص بتطوير الجامعة، إلى الدورة المقبلة، وإعتماد قرار وحيد هو القرار المتعلق بتطورات القضية الفلسطينية والصراع العربي– الإسرائيلي، ثم لتُعقد بعد ذلك إجتماعات المجلس في دورتها العادية ال (163)، بتاريخ 2025/4/23، ويصدر عنها قراراً تضمن أخذ العلم بما توصلت إليه اللجنة مفتوحة العضوية، المذكورة، وفرق العمل المنبثقة عنها، ودعوتها إلى مواصلة أعمالها وعرض نتائجها على الدورة العادية المقبلة للمجلس، الأمر الذي يؤكد تكرار صيغة ذات القرارات السابقة الصادرة بهذا الشأن، ويُفسِّر إستمرار حالة الإنسداد في ملف تطوير جامعة الدول العربية بسبب تباين وجهات نظر الدول الأعضاء نتيجة تعارض مصالح بعضها.
وأخيراً، يبقى من المهم لأي مقاربة لتطوير عمل الجامعة، الإجابة على التساؤلات التي تُثار دائماً حول جدوى المؤسسات الإقليمية في الوقت الحالي وهل يُمكن لمنظمة كجامعة الدول العربية بعد التوافق على تطويرها أن تلعب الدور المأمول منها، في ظل التفاوت الواضح في الأوزان السياسية والإقتصادية لدولها الأعضاء، وتوضيح حدود علاقة أعضاء المنظمة بالقوى الدولية والإقليمية، أخذاً في الإعتبار عدم إعتراف دول حليفة كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ببعثتي الجامعة لديها، كمنظمة سياسية أسوة بغيرها من المنظمات الإقليمية، وعلاقة المنظمة بأطروحات ما يسمى ب"الشرق الأوسط الجديد"، والتي يرى بعض المراقبين أن إستمرار عمل الجامعة قد يُمثل حجر عثرة أمام إقامة منظمة إقليمية بديلة بأعضاء ورؤية وأهداف مختلفة عن تلك التي ضمنها الآباء والأجداد المؤسسون للجامعة في ديباجة ومواد ميثاقها إبان حقبة التحرر من المستعمر في منتصف عقد أربعينيات القرن الماضي، وهو الأهم والأعمق من إختزال الحديث عن التطوير بالإمتيازات المالية لقيادة وموظفي الأمانة العامة للجامعة، التي تقل كثيراً ولا يُمكن أن تقارن بحال مع مثيلاتها في المنظمات المناظرة، والحديث المُكرر عن جدوى بعثات الجامعة في الخارج، والتقشف وضغط النفقات المالية، ومحاولة تصدير صورة نمطية مفادها أن الجامعة قد أصبحت عبئاً على دولها الأعضاء.
———

مواضيع قد تعجبك