● "السنيد ينتقد قرار الحكومة بربط معاملات المواطنين ببراءة الذمة: إجراء غير قانوني ومخالف للدستور"
● أبو رغيف ، يعلن إطلاق الامتداد الرقمي (ID.IQ) مجاناً لطلبة الجامعات ويؤكد المضي في ترسيخ السيادة الرقمية وطنيا
● العراق يثمن الموقف المسؤول للمملكة العربية السعودية واجراءاتها القانونية بحق المسيئين
● الفنانة كلوديا حنا: نجاحي بالسعي وواجهت أذى بسبب ملامحي
● رابطة اللاعبين الدوليين تستنكر وتستهجن الاسائة للشخصيات الرياضية والكروية...
● لقاء دبلوماسي رفيع في بكين: السفير العراقي يلتقي بمساعد وزير دائرة العلاقات الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني
● هيئة الإعلام والاتصالات... بين الإصلاح الحقيقي وحملات التسقيط المفبركة*
● التيار الصدري وخريطة القوة في العراق..بين التأجيل والعودة المحتملة
● سعد الأوسي : نعيد للإعلام هيبته وللكلمة مسؤوليتها**
● د اياد علاوي يستقبل سفير المملكة المتحدة في العراق
● "السنيد ينتقد قرار الحكومة بربط معاملات المواطنين ببراءة الذمة: إجراء غير قانوني ومخالف للدستور"
● أبو رغيف ، يعلن إطلاق الامتداد الرقمي (ID.IQ) مجاناً لطلبة الجامعات ويؤكد المضي في ترسيخ السيادة الرقمية وطنيا
● العراق يثمن الموقف المسؤول للمملكة العربية السعودية واجراءاتها القانونية بحق المسيئين
● الفنانة كلوديا حنا: نجاحي بالسعي وواجهت أذى بسبب ملامحي
● رابطة اللاعبين الدوليين تستنكر وتستهجن الاسائة للشخصيات الرياضية والكروية...
● لقاء دبلوماسي رفيع في بكين: السفير العراقي يلتقي بمساعد وزير دائرة العلاقات الخارجية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني
● هيئة الإعلام والاتصالات... بين الإصلاح الحقيقي وحملات التسقيط المفبركة*
● التيار الصدري وخريطة القوة في العراق..بين التأجيل والعودة المحتملة
● سعد الأوسي : نعيد للإعلام هيبته وللكلمة مسؤوليتها**
● د اياد علاوي يستقبل سفير المملكة المتحدة في العراق

اللاماسو.. الحارس الذي لم يمت..

🛑فرجال... news

د. ثائرة اكرم العكيدي

العراق بلد لا يعرف الصمت كل حبة تراب فيه تحكي قصة وكل نقش في حجره يصرخ بتاريخ عمره آلاف السنين. منذ بزوغ الإمبراطورية الآشورية وقفت عند بوابات المدن والقصور تماثيل الثيران المجنحة اللاماسو الكائنات الأسطورية التي جمعت بين وجه الإنسان وحكمة الآلهة وجسد الثور وقوته وجناح الطير وحريته، لتكون حراساً لا ينامون صامتين لكنهم يراقبون الزمان والأرض والإنسان معاً شهوداً على حضارة أرادت أن تثبت أن الحضارة لا تُقاس فقط بالحجارة بل بالروح التي تنبض خلفها.

وفي منتصف القرن التاسع عشر كشف الرحّالة البريطاني أوستن هنري لايارد أسرار نينوى والنمرود فانهضت التماثيل من تحت التراب كأنها تستيقظ بعد سبات طويل لكن نهضتها لم تكن إلى الوطن بل إلى الغربة إذ نُقلت العديد من هذه التماثيل إلى المتحف البريطاني في لندن عام 1849 وأخرى إلى اللوفر في باريس ولاحقًا إلى برلين، لتقف هناك في قاعات فخمة محفوظة من الخراب لكنها منزوعة الجذور شاهدة على رحلة النهب المقنع باسم الاكتشاف غريبة عن ترابها وأهلها بينما بقيت الأخرى في العراق معرضة للسرقة والإهمال صامتة تنتظر من يكتشفها ويعيد إليها حياتها.

وفي نهاية القرن العشرين كان العراق شاهداً على فصل مأساوي آخر حين حاولت عصابة تهريب رأس ثور مجنح ضخم من خورسباد بمحافظة نينوى فتم تقطيعه إلى 11 قطعة بمنشار لتسهيل تهريبه إلى تركيا ووزع على أفراد العصابة لكن الأجهزة الأمنية أوقفتهم وأُعيد الرأس الممزق إلى المتحف الوطني العراقي حيث ظل محطمًا في زاوية القاعة الآشورية، شاهداً على جريمة مزدوجة سرقة وتشويه فيما أُعدم 11 من أفراد العصابة في سجن أبو غريب بقطع الرؤوس مشهد رمزي أراد أن يقول كما قطعتم رأس الثور تُقطع رؤوسكم رسالة صادمة عن قسوة ما يمكن أن يصنعه الإنسان بالموروث الحضاري.

ثم جاءت السنوات الأكثر قتامة حين اجتاح تنظيم داعش الموصل عام 2015 فأدرك العراقيون أن الحرب لا تدمر البشر فقط بل يمكن أن تستهدف روحهم وتاريخهم. حطم التنظيم بالمطارق والجرافات العديد من الثيران المجنحة خصوصاً عند بوابة نركال وقطع رأس أحدها تاركاً جسده مدفوناً تحت الأنقاض محاولة لإخفاء حضارة عمرها آلاف السنين. ونهبت قطع أثرية أخرى وسُرقت متحفيات ثمينة فاضطر التراب أن يحمل أوجاع الحجارة ويروي مأساة المدينة والذاكرة المسلوبة. وبعد التحرير عُثر على بقايا الرأس والجسد وبدأت فرق عراقية ودولية محاولات ترميمها لتظل الشظايا صامتة تحكي فظاعة ما حدث وتؤكد أن الإرث لا يمكن قتله رغم كل المحاولات وأن الذاكرة الحضارية عراقية قبل أن تكون عالمية.

ولكن الأرض لم تتخلى عن أبناءها ولم تنسَ حضارتها. ففي السنوات الأخيرة انكشف عن أكبر ثور مجنح في تاريخ الدولة الآشورية بارتفاع ستة أمتار قرب الموصل في موقع خلف جامع النبي يونس.

مجرد النظر إليه يربك اللغة ويجعل الكلمات عاجزة عن التعبير كأن الأجداد نهضوا من جديد ليقولوا هنا كانت أعظم حضارة هنا نُقشت أول كلمة وهنا أشرقت أولى القوانين وأن العراق ليس مجرد مساحة جغرافية بل كيان حي يتنفس ذاكرة وتاريخاً.

سبق أن اكتشف هذا الثور وعُيد دفنه بعد محاولة سرقة لكنه عاد ليظهر من تحت التراب كمن يصر على البقاء ليعلن أن التاريخ مهما طمسته الأيدي الطامعة سيعود إلى الضوء وأن الحضارة لا تموت. أما الثيران الأخرى المكتشفة حديثاً فهي دليل على أن التراب لم يكشف كل أسراره بعد وأن كل اكتشاف جديد يثبت للعالم أن العراق مهد العالم وأصل الكلمات والحضارات.

وما يجعل هذه الاكتشافات أكثر عمقاً هو إدراك أن كل حجر وكل نقش وكل تمثال نهب أو دمر أو أعيد إلى النور هو صرخة من الماضي تقول لنا لا تنسوا من أنتم ولا تسمحوا أن يُمحى التاريخ من الذاكرة.

العراق كلما حُفر في ترابه أعاد للعالم درسًا قديماً الأرض التي أنجبت أول كلمة وأول قانون وأولى الحضارات لا يمكن أن تُمحى مهما حاول اللصوص والدمار والإرهاب فهي أعمق من كل محو وأبقى من كل نسيان.

(اللاماسو) ذلك الصرح العظيم ابن الموصل ورمز من رموزها التاريخية

ليس مجرد تمثال حجري بل كائن أسطوري يحمل في هيئته فلسفة حضارة بأكملها فهو مزيج بين الإنسان والحيوان يمتلك وجه الإنسان وجسد الثور أو الأسد وأجنحة الطائر. الوجه البشري يرمز إلى الحكمة والذكاء جسد الثور إلى القوة والصلابة وأجنحة الطائر إلى الحرية والسمو، ليصبح رمزاً متكاملاً للسلطة والحماية والروحانية معاً وكأن كل تفصيل فيه يحمل رسالة للأجيال القادمة القوة بدون حكمة تهلك والحكمة بدون حماية تضيع والحرية بدون جذور لا تتحقق.

ويعني (اللاماسو) في اللغة الأكادية (الروح الحامية) أو (الروح الواقية)إذ كان يُعتقد أنه يحمي المدن والقصور والمعابد من الأرواح الشريرة والمخاطر ويجسد القوة والحكمة والقدرة الإلهية معاً كان يُوضع عادة عند بوابات القصور والمعابد والمدن ليكون حارساً روحياً وجسدياً ويرسخ الشعور بالهيبة والخشوع لكل من يقترب من مدخل المدينة أو القصر.

لم يكن مجرد حجر يصمد أمام الزمن بل كان صرخة حضارية تقول هذا المكان مقدس وهذا الشعب يحمي إرثه وهذه الأرض تحتفظ بسرها للأجيال.

توزعت هذه التماثيل في أهم المدن الآشورية، فكانت نينوى (قرب الموصل اليوم) تزدان (باللاماسو) عند بواباتها وقصورها كما وُجدت في خورسباد قرب بغداد حالياً وفي مدينة النمرود (قرب الموصل) عند قصور الملوك، وفي الشرقاط (محافظة صلاح الدين اليوم). كل مدينة من هذه المدن كانت بمثابة قلب نابض لحضارة عظيمة (واللاماسو) فيها كان الحارس الصامت الشاهد على القوة البشرية والإلهية معاً يروي للزائرين قصص الملوك والقوانين والنقوش ويذكر كل من يتجاوز بوابته أن التاريخ ليس مجرد ذكرى بل حاضر حي ينعكس في الحجر وفي الذاكرة الجمعية للشعب.

(اللاماسو) إذاً ليس مجرد حارس للبوابة الآشورية بل رمز خالد للهوية العراقية وشاهد زمان ونداء مستمر يذكرنا بأن الإرث لا يُنسى وأن التاريخ مهما طمسته الأيدي سيظل ينهض من جديد ليقول العراق مهد العالم والأرض التي تحت أقدامكم تحمل الحكايات الكبرى لأولئك الذين قرروا أن يبقوا على قيد الخلود عبر الحجر والصوت والذاكرة وأن كل مرة ينهض فيها الثور المجنح من التراب يكون بمثابة إعلان أن الحضارة باقية وأن الشعب الذي أنجبها لم يمت وأن الذاكرة العراقية ستظل حية في قلب كل حجر في كل نقش وفي كل ثور مجنح يعاود الظهور يذكرنا بأن العراق ليس أرضاً عابرة بل روح تتحدى الزمان والمكان وتثبت أن ما نراه اليوم هو امتداد لماضٍ لا يُمحى وحاضر لا يمكن أن ينكسر ومستقبل سيظل يشرق على أرض لم يعرف العالم مكاناً مثلها. هو مرآة آشورية تجمع بين القوة والحكمة والحماية الروحية ليظل شاهداً على حضارة تأسست قبل آلاف السنين ويظل صرخة صامتة لكل من يحاول طمس التاريخ أو النيل من الإرث أن العراق مهد العالم وأن التراث الحقيقي لا يُمحى مهما حاول الزمن أو البشر...