🛑فرجال... news
بقلم ا. سعدفياض
يُعدّ الإدراك حجر الزاوية في فهم الإنسان للعالم من حوله، فهو البوابة التي من خلالها يبني الفرد صورته عن الأحداث، ويحدد مواقفه وسلوكه. غير أن هذا الإدراك لا يتشكل في فراغ، بل يتعرض لتأثيرات متشابكة من وسائل الإعلام، والخطابات السياسية، والفضاء الرقمي. وهنا يبرز مفهوم التضليل بوصفه عملية مقصودة للتأثير في وعي الجمهور، وتوجيه إدراكه في مسارات قد لا تعكس الحقيقة.
الإدراك: وعي يُبنى على التجربة والمعلومة
الإدراك ليس مجرد استقبال آلي للخبر، بل عملية معقدة تتداخل فيها عوامل الثقافة، والتعليم، والانتماء الاجتماعي. فالفرد الذي يتلقى خبراً عن أزمة اقتصادية مثلاً، قد يفسّره في ضوء خبراته الشخصية، بينما يفسره آخر وفق ميوله السياسية.
التضليل: تشويه متعمد لصورة الواقع
على الجانب الآخر، يُمثل التضليل آلية للسيطرة على الإدراك الجماعي عبر اختلاق المعلومات أو تحريفها أو انتزاعها من سياقها. مثال ذلك انتشار أخبار كاذبة خلال جائحة كورونا حول فعالية لقاحات معينة، ما دفع قطاعات من الجمهور إلى التشكيك في الإجراءات الصحية، وأدى إلى اضطراب في الاستجابة المجتمعية.
بين الوعي الزائف والإدراك النقدي
العلاقة بين الإدراك والتضليل علاقة شد وجذب: فحين يمتلك الأفراد أدوات التفكير النقدي وقدرة على التحقق من المصادر، يصبح إدراكهم حصيناً ضد التضليل. أما في حال ضعف الثقافة الإعلامية، فإن التضليل يجد طريقه بسهولة إلى تشكيل الرأي العام.
في العراق، مثلاً، كثيراً ما تتحول النقاشات الانتخابية من مقارنة البرامج التنموية إلى تبادل الاتهامات وتضخيم الهفوات، وهو ما يعيد تشكيل إدراك الناخب بعيداً عن جوهر العملية الديمقراطية.
وفي الحروب أو الأزمات، تلجأ أطراف الصراع إلى بث صور أو مقاطع فيديو مجتزأة، تثير الغضب أو الخوف، لتوجيه الرأي العام نحو تبني موقف معين.
الخلاصة
بين الإدراك والتضليل مساحة حساسة تحدد مستقبل المجتمعات. فالإعلام الواعي والمسؤول يستطيع أن يعزز إدراكاً نقدياً يواجه التضليل، بينما الإعلام المنحاز أو الموجه يمكن أن يحوّل التضليل إلى أداة يومية لصناعة وعي زائف.