🛑فرجال... news
يشكل التزييف الإعلامي أحد أخطر التحديات التي تواجه العملية الديمقراطية في العراق، وتأثيره على الانتخابات البرلمانية عميق ومتعدد الأبعاد. يمكن تحليل هذا التأثير على النحو التالي:
أولاً: أشكال التزييف الإعلامي في الانتخابات العراقية
1. الأخبار المزيفة نشر معلومات كاذبة تماماً حول مرشح معين أو قائمة انتخابية، مثل اتهامات بالفساد دون أدلة، أو الادعاء بتلقي تمويل خارجي.
2. التضليل والسياق المغلوط: استخدام صور أو فيديوهات حقيقية ولكن يتم تقديمها في سياق مغلوط أو بتاريخ مختلف لخدمة أجندة معينة (مثل عرض صور لتفجيرات قديمة على أنها حصلت قبل يوم الانتخاب لتأجيج الرأي العام ضد الحكومة القائمة).
3. الشائعات المغرضة: نشر إشاعات سريعة الانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة واتساب وتليجرام، تستهدف زعزعة ثقة الناخب بمرشح أو بحزب معين.
4. الخطاب التحريضي والطائفي: استخدام لغة طائفية أو قومية لتحريض مجموعة ضد أخرى، وإلقاء اللوم على كيانات سياسية معينة في مشاكل البلاد، مما يدفع الناخب للتصويت بناءً على الهوية وليس البرنامج.
5. التقاطعات مع الحرب الإلكترونية: تقوم جهات خارجية أو محلية بتنفيذ هجمات إلكترونية لتسريب بيانات مرشحين أو تزوير وثائق ونشرها بهدف تشويه السمعة.
ثانياً: الآثار المباشرة على الانتخابات البرلمانية
1. تشويه الخيار الديمقراطي للناخب:
· لا يتمكن الناخب من اتخاذ قراره بناءً على معلومات صحيحة وبرامج انتخابية حقيقية. · تحويل الانتخابات من منافسة على الأفكار والبرامج إلى معركة على الشعارات والهويات والاتهامات المتبادلة.
2. تقويض الشرعية الانتخابية:
· عندما تنتصر قوى سياسية باستخدام أساليب التزييف، تفقد الانتخابات مصداقيتها في أعين الشعب والمراقبين الدوليين. · يخلق هذا بيئة خصبة لرفض نتائج الانتخابات والاحتجاجات، كما حصل في أكثر من دورة انتخابية، مما يؤدي إلى عدم استقرار سياسي.
3. تأجيج العنف والانقسام الاجتماعي:
· يعمل الخطاب التحريضي والتزييف على تعميق الهوة بين مكونات المجتمع العراقي (طائفياً وقومياً). · قد يؤدي نشر أخبار كاذبة عن أعمال عنف أو تزوير إلى اندلاع احتجاجات أو أعمال شغب، مما يهدد الأمن العام والعملية الانتخابية برمتها.
4. إضعاف الثقة في المؤسسات:
· يستهدف التزييف الإعلامي ثقة الناخب ليس فقط في المرشحين، ولكن في العملية الديمقراطية نفسها، وفي هيئة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وحتى في مؤسسات الدولة. · يؤدي هذا إلى زيادة الإحباط واللامبالاة السياسية، وبالتالي انخفاض نسبة المشاركة، وهو ما يُعد مكسباً للأحزاب التقليدية التي تعتمد على قاعدة جماهيرية ثابتة.
5. تضليل الرأي العام الدولي:
· يمكن أن تؤثر الحملات الممنهجة على وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل السردية السائدة دولياً حول الانتخابات، مما قد يؤثر على الدعم الدولي أو يخلق ضغوطاً غير مبررة على العملية.
ثالثاً: لماذا ينجح التزييف الإعلامي في العراق؟
1. البيئة الإعلامية القطبية: معظم وسائل الإعلام العراقية مملوكة أو ممولة من قبل أحزاب وقوى سياسية، مما يحولها إلى منصات للدعاية وليس للإعلام المحايد.
2. ضعف الثقافة الإعلامية: يعاني جزء كبير من الجمهور من ضعف في ‘‘المناعة الإعلامية"، أي القدرة على تحليل المعلومات والتأكد من مصادرها قبل تصديقها أو نشرها.
3. الانقسام المجتمعي: يجعل الانقسام الطائفي والقومي الجمهور أكثر تقبلاً للخطاب الذي يؤكد على تحيزاته ويغذي مخاوفه من ‘‘الآخر".
4. ضعف سيادة القانون : غياب العقوبات الرادعة على نشر الأخبار الكاذبة مع ضعف المؤسسات الرقابية المستقلة.
رابعاً: الحلول والمقترحات
1. التوعية الإعلامية: ضرورة قيام مؤسسات المجتمع المدني والمفوضية العليا للانتخابات بحملات توعية لتثقيف الناخب حول كيفية اكتشاف الأخبار المزيفة والتحقق من المعلومات.
2. تعزيز دور الإعلام المستقل: دعم وسائل الإعلام التي تلتزم بمعايير المهنية والموضوعية لتقديم نموذج بديل للناخب.
3. تفعيل الرقابة والمحاسبة: يجب أن تتحمل الجهات التنظيمية مثل هيئة الإعلام والاتصالات مسؤوليتها في محاسبة القنوات التي تنشر أخباراً كاذبة أو خطاباً تحريضياً.
4. شفافية المفوضية العليا للانتخابات: يجب أن تعمل المفوضية على نشر المعلومات الدقيقة والرد السريع على الشائعات عبر منصاتها الرسمية.
5. دور منصات التواصل الاجتماعي: حث الشركات المالكة لهذه المنصات (مثل فيسبوك، تويتر) على تحمل مسؤوليتها في وضع علامات على المحتوى المشبوه وحذف الحسابات الوهمية والحملات المنظمة للتضليل.
ختاما التزييف الإعلامي في الانتخابات البرلمانية العراقية ليس مجرد ‘‘شائعات"، بل هو سلاح فعال يستخدم لتشكيل الإرادة الشعبية وزعزعة الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية. يحول هذا التزييف الانتخابات من أداة لتداول السلطات سلمياً إلى ساحة للصراع بالوكالة، مما يهدد الاستقرار طويل الأمد للعراق ويعيق بناء دولة المؤسسات. مواجهة هذه الظاهرة تتطلب جهداً وطنياً شاملاً يبدأ بالتوعية وينتهي بسيادة القانون.