فرجال..news
الموصل... رغيف العراق وصوت نينوى الصامد
بقلم: محمود المصري – الخبير السياحي
تحقيق خاص – قصة من قلب العراق
في شمال العراق، وعلى ضفاف نهر دجلة، تقف الموصل شامخة بتاريخها العريق، متجاوزة المحن والدمار، لتظل رمزًا للصمود والعطاء. ليست مجرد مدينة، بل هي قلب نابض يغذي العراق روحًا وعيشًا.
سلة خبز العراق
تُعرف الموصل بخصوبة أراضيها الزراعية، خاصة في منطقة سهل نينوى، مما جعلها مصدرًا رئيسيًا لإنتاج القمح والحبوب. هذا الإنتاج الوفير جعلها تُلقب بـ"سلة خبز العراق"، حيث كانت تُغذي البلاد برغيف الخبز الذي لا يغيب عن أي مائدة عراقية.
صمود عبر التاريخ
مرت الموصل بمحطات تاريخية هامة، من الفتح الإسلامي إلى كونها مركزًا حضاريًا وثقافيًا في العصور المختلفة، وامتدت أهميتها خلال الحكم العثماني حتى العصر الحديث، مما أثرى تراثها المعماري والثقافي.
إعمار بعد الدمار
في عام 2014، اجتاحتها قوى الظلام، فدُمرت المدينة القديمة، وتضررت آلاف المنازل. ورغم تحريرها في يوليو 2017، فإن عملية الإعمار تسير ببطء، بينما تقف الموصل على أعتاب أمل جديد.
فرن من تحت الركام
بعد التحرير، افتتح الشاب الموصلي محمد إياد، برفقة أشقائه، أول مخبز في حي الميدان المدمر، أمام منزلهم الذي تهدم. عاد رغيف الخبز إلى الحي قبل الكهرباء والماء، ليعلن أن الحياة ممكنة رغم الركام. هذا المشهد يجسّد روح الموصل؛ مدينة لا تعرف الاستسلام، بل تُقاوم بالجمر والقمح.
التنور يحكي القصة
في أزقة الموصل القديمة، لا تزال بعض العائلات تستخدم أفران الطين التقليدية لصناعة خبز التنور. هذه الأفران الفخارية ليست مجرد أدوات طهي، بل جزء من التراث، تحمل رائحة الأجداد وسط ركام البيوت.
النساء يعجنّ الأمل
وسط الخراب، كانت النساء في الموصل أول من أعاد الحياة: فتحن الأفران، نظمّن دروسًا لأطفال الحي، وشاركن في تنظيف الشوارع. كانت أياديهن تعجن الطحين، وتصنع الغد.
مبادرات شعبية تبني المدينة
في ظل تأخر الدعم الرسمي، تعاون الأهالي لتمويل إعادة بناء المنازل والأسواق. الأغنياء تبرعوا، والشباب عملوا بأيديهم، فأُعيدت الحياة إلى بعض الأحياء قبل أن تصلها ميزانيات الدولة.
الموصل التعليمية... نهضة رغم الركام
رغم تدمير مئات المدارس، لم تستسلم الموصل. بجهود المعلمين والمتطوعين، أُعيد فتح عشرات الفصول في مبانٍ بسيطة ومنازل، وعاد آلاف الطلاب إلى مقاعدهم، في مشهد يؤكد أن التعليم في الموصل لا يُقهر.
التراث في مرمى النسيان
تعاني المعالم الأثرية في الموصل من الإهمال بعد أن طالتها يد الخراب، ومنها الجامع النوري ومنارة الحدباء. ورغم بعض محاولات الترميم، لا تزال المدينة تطالب بحماية تراثها قبل أن يطويه النسيان.
شباب الموصل... جيل يُقاتل بالأمل
برزت مبادرات شبابية كثيرة في السنوات الأخيرة، من حملات تنظيف وترميم، إلى فرق فنية وثقافية تعيد الأمل في هوية المدينة. هؤلاء الشباب هم خبازو المستقبل، يعجنون الأمل بعرقهم وصبرهم.
رأي ختامي: مدينة تنهض وحدها
الموصل لم تنتظر حكومة، ولم تبكِ على أنقاضها طويلاً. الموصل علمتنا أن المدن العظيمة لا تنهض بقرارات رسمية، بل بنبض أهلها، برغيف خبزها، وبأمل لا يعرف الرماد.
الموصل، برغم الجراح، تظل رمزًا للعراق الذي لا يُكسر، ولا يُنسى، ولا يُحترق.