خزف الحضارات على دروب الحرير..بقلم مرتضى الاسدي

ادارة الموقع نشر في 2025-05-24 11:38:05 عدد زيارات الموضوع 25

فرجال...news
بين دجلة واليَانغتْسي، وعلى امتداد دروب الحرير التي حملت همسات القوافل، تتشابك خيوط حكايات قديمة. هنا، حيث الطين ليس مجرد مادة، بل ذاكرة حية لحضارات تعانقت عبر القرون. فهل تخيلت يومًا كيف أن براعة الأيدي التي شكلت أولى أواني الطين في سهول ما بين النهرين، تلقت صدى إبداع مماثل من أفران تنين الشرق، لتؤسس معًا لفن سيظل يلهم الأجيال؟
لم يكن لقاء الحضارتين العراقية والصينية في فن الخزف لقاءً مباشرًا بالضرورة، بل هو أشبه بتيارين عظيمين ينبعان من منبع إنساني واحد، ويتدفقان عبر مسارات التاريخ ليشكلا مشهدًا فنيًا بديعًا. ففي الوقت الذي كانت فيه الحضارات السومرية والأكدية تبدع في تشكيل الأختام الأسطوانية والأواني الطينية التي تحمل بصمات أولى المدنيات، كانت أفران الصين القديمة تشهد ولادة أشكال فنية تتراوح بين الأواني الطقسية والتحف اليومية، وكلتاهما تعكس فهمًا عميقًا لخصائص الطين وقدرته على التعبير عن رؤى فنية وروحية.
ومع امتداد طرق التجارة القديمة، وخاصة طريق الحرير الأسطوري، بدأت تظهر تأثيرات متبادلة، وإن كانت خفية في بعض الأحيان. لقد حملت هذه الدروب ليس فقط السلع المادية، بل أيضًا أفكارًا وتقنيات، مما أثرى المخيلة الفنية للحرفيين في كلا المنطقتين. فبينما حافظ كل مركز على هويته الفنية الفريدة، يمكن تلمس روح مشتركة في السعي نحو الكمال الجمالي والتقني في صناعة الخزف.
واليوم، يقف هذا الفن العريق شاهدًا على تلك الروابط القديمة، يذكرنا بأن الإبداع الإنساني يتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية. إن اهتمام الصين المعاصر بالحفاظ على هذا التراث الثقافي غير المادي يعكس إدراكًا لقيمة هذه الجذور المشتركة، وللإرث الفني الذي نشأ في مهد الحضارات، ليظل مصدر إلهام وتقدير عبر العصور.

مواضيع قد تعجبك