روسيا و ايران تحالف هش ومصالح متشابكة: روسيا حليف لايمكن الركون إليه

ادارة الموقع نشر في 2025-06-20 22:09:44 عدد زيارات الموضوع 57


فرجال.. News تحليل عبدالكريم الخياطي
بينما كنت أتابع حوارا على شاشة الجزيرة، وجّه المذيع سؤاله إلى الصحفي القدير عبدالقادر فايز، مدير مكتب القناة في طهران، مستوضحًا: “عن تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وعن عرضه مساعدة إيران في بناء دفاعات جوية، دون أن تبدي طهران اهتمامًا". لم يتردد فايز، أجاب بهدوء ووضوح، كاشفًا جوانب من العلاقة المعقدة بين موسكو وطهران، ومشيرًا فيما معناه إلى أن التعاون بين الطرفين قائم لكنه في حدود، وأن تصريح الرئيس الروسي بدا غريبًا نوعًا ما، خاصة أن إيران اشترت بالفعل منظومة S-300 الروسية، ودخلت في سنوات من الانتظار والمماطلة والدفع الإضافي بحوالي ثلاثة بليون دولار زيادة، قبل أن تصلها المنظومة متأخرة. ‘‘هذا التناقض يعكس في جوهره طبيعة العلاقة بين الطرفين: شراكة مشروطة، لا تحالفًا عسكريًا متينًا.
ففي لحظة بدا فيها أن ايران تواجه أخطر تحدٍ لسيادتها منذ سنوات، لم تتحرك موسكو لإرسال تعزيزات أو دعم لوجستي، ولم توفر حتى غطاءً استخباراتيًا يمكن أن يردع التصعيد الإسرائيلي، مكتفية بإدانات دبلوماسية وتصريحات سياسية فضفاضة. ومع أن بوتين قدّم تعازيه لطهران عقب الضربات، فإن موقفه لم يتجاوز حدود الكلمات، ما جعل غياب روسيا يبدو أكثر من مجرد حياد؛ بل مؤشرًا على خلل هيكلي في التحالف ذاته، أو عجزا حقيقيا بعد استنزاف حرب أوكرانيا لروسيا، أو ربما دليلًا على أنه لم يكن تحالفًا فعليًا بالمعنى الكامل، بل تنسيق ظرفي تحكمه موازين المصالح لا التزامات الدعم.
الهجوم الإسرائيلي الواسع على منشآت إيرانية نووية وعسكرية كشف كذلك ثغرات خطيرة في البنية الدفاعية الإيرانية. فمع أن طهران أنفقت أعوامًا في تطوير منظومات مثل “باور 373” و”خرداد 15”، وهي منظومات متطورة إلى جانب امتلاكها S-300 الروسية، فإن هذه المنظومات فشلت في صد الهجمات أو حتى رصدها في الوقت المناسب. تفسيرات عدة طُرحت، كان أبرزها التخريب الداخلي أو الاختراق السيبراني، إذ تعطلت الرادارات فجأة، وتوقفت بعض أنظمة الاشتباك عن العمل، ووردت تقارير عن عمليات إعاقة ميدانية داخلية سبقت الهجوم بلحظات. وهو ما يوحي بأن المشكلة ليست في العتاد وحده، بل في البنية الاستخباراتية نفسها.
لكن اللافت أن إسرائيل، رغم قدرتها التقنية، ليست في وضع مثالي أيضًا. فوفق تسريبات، فإن مخزونها من صواريخ “حيتس” و”مقلاع داوود” يشهد تناقصًا حادًا، والمنظومات الدفاعية تواجه استنزافًا مستمرًا جراء الهجمات الإيرانية المتكررة بطائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة من عدة جبهات. وقد طلبت تل أبيب بالفعل دعمًا عاجلًا من واشنطن لإعادة تعبئة ترسانتها، وهو ما يشير إلى أن المعركة الدائرة لا تستنزف إيران وحدها، بل تدفع الطرفين إلى حدود دفاعية غير مسبوقة.
وفي خضم هذا التصعيد، أصدرت موسكو تحذيرًا رسميًا للولايات المتحدة من مغبة التدخل المباشر إلى جانب إسرائيل. لكن هذا التحذير، وإن بدا حازمًا في ظاهره، لا يعكس استعدادًا حقيقيًا لخوض مواجهة، بل أقرب إلى محاولة روسية لحجز موقع تفاوضي في المعادلة الإقليمية، دون التورط في صدام مباشر مع واشنطن أو تل أبيب. روسيا تدرك أن خوضها حربًا بالوكالة لصالح طهران، وهي ما تزال غارقة في مستنقع أوكرانيا، سيكون مكلفًا سياسيًا وعسكريًا، وقد يفقدها ما تبقى من هامش المناورة الدولي. روسيا اكتشفت ان المحيط العربي كاد يؤذيها في سوريا ، و ان دول عربية لاتقبل بنفوذ و انتصار ايراني، منحت بوتن مباركتها لابقاء قواعده في سوريا ، ومن هنا، تبدو الرسائل الروسية مزدوجة: تعاطف إعلامي مع طهران، وتنسيق غير مباشر مع تل أبيب، وسعي لتثبيت النفوذ في الشرق الأوسط من موقع الوسيط لا المقاتل.
وفي لحظة اختبار قاسية، اكتشفت طهران أن الحليف الذي لا يطلق رصاصة، هو شريك ظرفي لا يمكن الرهان عليه في لحظات المصير. لقد بدا المشهد كما لو أن إيران تُواجه وحدها، بينما موسكو تكتفي بالمراقبة،.
وفيما تتبادل الأطراف الحسابات وتُعاد صياغة خطوط الاشتباك، تتجه الأنظار الآن نحو البحر، حيث يترقب الجميع إشارات واضحة من حاملات القاذفات الأميركية التي باتت أقرب من أي وقت مضى إلى مسرح العمليات. فهذه القاذفات، من طراز B-2 Spirit، المعروفة باسم “الشبح”، صُمّمت لتفادي الرادارات والاختراق العميق خلف خطوط العدو، وتحمل كل منها قنبلتين خارقتين للتحصينات من نوع GBU-57، تزن الواحدة أكثر من 13 طنًا، وتستهدف المنشآت النووية المدفونة على أعماق سحيقة. أهداف القاذفات الأميركية من طراز B-2 تشمل منشآت إيران النووية المحصنة مثل فوردو ونطنز، إضافة إلى مراكز القيادة ومنصات الصواريخ. ووفق خبراء عسكريين، لا يمكن لأي منظومة كشف هذه القاذفات أو اعتراضها إلا إذا كانت روسية أو صينية فائقة التطور، ما يزيد من تعقيد المشهد، ويرفع مستوى المخاطرة إلى حدود غير مسبوقة. وبين صمت موسكو، وترقب طهران، واستعداد واشنطن، يبدو أن الشرق الأوسط يقف اليوم أمام لحظة لا تشبه ما سبقها… ولا يحتمل فيها تكرار الأخطاء
عبد الكريم الخياطي

مواضيع قد تعجبك