🛑 فرجال... news
ا.د.ضياء واجد المهندس
في مفارقة لا تُحسد عليها، دخلت جامعة بغداد — تلك العريقة التي كانت يومًا تُباهي بزيارة أساتذة هارفارد وأكسفورد — إلى قائمة ‘‘العِلم الأحمر". والحديث هنا ليس عن قائمة الشهداء أو المبدعين أو حتى المطلوبين، بل عن القائمة التي يُدرج فيها من يهدد الأمن القومي للبحث العلمي!
نعم، دخلنا القائمة الحمراء، لا بسبب نشاطات مشبوهة أو مخططات مضادة، بل بسبب ما يجري على الورق: أبحاث منشورة، ومجلات محكمة، وصفحات مليئة، لكن دون أن تجد فيها سطرًا ذا وزن علمي.
إحصاءات تكشف المستور:
في عام 2023، نشرت جامعة بغداد أكثر من 11,000 بحث في مجلات مدرجة ضمن Scopus. رقم مثير للإعجاب؟ انتظر لحظة.
منها أكثر من 68% نُشرت في مجلات ذات تحكيم مشكوك فيه أو ‘‘معلّقة التقييم"!
نسبة الاستشهادات لتلك البحوث خلال عام كامل لم تتجاوز 0.4 استشهاد لكل بحث.
أكثر من 1500 بحث تكررت فيها أسماء باحثين بعينهم، في مجلات بعينها، بإيقاع أشبه بماكينة نسخ متكررة.
أكاديميون مضللون ..
ما يحصل أشبه بجولات سياحية: الباحث يختار المجلة، يدفع الرسوم، ينزل بحثه كما ينزل المسافر في فندق ثلاث نجوم، ويغادر وفي جيبه ‘‘شهادة منشور". لا مراجعة دقيقة، لا تعليقات محرجة من محكم خبيث، لا تأخير، فقط الدفع عند الباب.
تخيل أن بعض المجلات قبلت البحوث خلال 48 ساعة! وهذا زمن لا يكفي حتى لقراءة عنوان البحث.
ترقية علمية أم ترقية بطرق ملتوية؟؟؟؟؟؟!!!!!؟
ما يُحرك عجلة النشر ليس الشغف بالعلم، بل لهفة الوصول إلى ‘‘الدرجة العلمية التالية‘‘ بأي وسيلة. والترقيات الأكاديمية تُمنح اليوم على مبدأ:
> ‘‘كم بحثًا نشرت؟"
بدلًا من: ‘‘ماذا أضفت للعلم ، وهل خدم البحث المجتمع و هل حقق جزء من متطلبات تنمية البلد؟"
وهكذا تحوّلت الأطاريح إلى أوراق مطوية، والبحوث إلى سندويشات سريعة الهضم، والمجلات إلى كافيتيريات مفتوحة على مصراعيها و من المفارقات أن قيادات التعليم العالي هم أول من جعلوا العلم الاحمر على جامعاتنا ، فهل يعقل أن وكيل الوزير الذي قضى عمره المهني اداري يضرب أرقام قياسية في بحوث منشورة ،، بحيث أنه يحتاج إلى أكثر من 100 عام لإنجاز البحوث ،، ولم يكلف وزير التعلئم العالي نفسه في التحقيق والتحقق من ذلك !
لجنة التحكيم عبارة عن موظف إداري سابق ومصحح لغوي متقاعد..
ضعف الرقابة الداخلية جعل الأمر مفتوحًا للتلاعب. لا توجد لجان تقويم رصينة، بل نجد في بعض الكليات أن المسؤول عن تقييم المجلات هو نفسه الذي يُطبع أوراق الامتحان النهائية.
أما تقييم المجلات؟؟؟!!!!!!!!!فبعضها يُعتمد لأنه ‘‘مكتوب عليه ISSN"، وآخر لأنه ‘‘يبدو جميل التصميم"، وثالث لأنه ‘‘صديقنا ينشر فيه".
عِلم خيالي بلا أثر حقيقي !!!!
الباحث العراقي ينشر وينشر، لكن Google Scholar يقف حائرًا: من هؤلاء؟ وماذا كتبوا؟ بل إن بعض المجلات لم تصل حتى لمحرك البحث، وكأنها تنشر في مجرة أخرى.
في التصنيفات العالمية، تراجعت الجامعة من مواقع قريبة من الـ800 عالميًا إلى حدود ما بعد الألفين، ومع ذلك لا تزال البحوث تتدفق كالسيل، لكن بلا أثر ولا صدى.
المعالجات المقترحة: أوهام و دجل.. أ
في كل ورشة أكاديمية، تخرج التوصيات نفسها:
قاعدة بيانات للمجلات ‘‘الرصينة".
لجنة عليا للنشر ‘‘الجاد".
دورات في ‘‘أخلاقيات النشر".
لكن على أرض الواقع، تُترجم هذه التوصيات إلى:
دورة عن ‘‘كيفية مراسلة المجلات المفتوحة الدفع"، وورشة عن ‘‘تجنب تعقيدات التحكيم"، وملف PDF فيه ‘‘أفضل المجلات التي ترد خلال 24 ساعة"!
دخول جامعة بغداد قائمة ‘‘العِلم الأحمر‘‘ لا يعني أننا أعداء للعلم، بل فقط أعداء لجودته!
نحن في عصر ‘‘الورقة أهم من الفكرة"، و"النشر أهم من الفهم"، و"المجلة التي لا تطلب تحكيم هي الأمثل للترقية".
إن كنّا نريد الخروج من هذه القائمة، فعلينا أولاً أن نخرج من عقلية ‘‘النشر للترقية"، وندخل عقلية ‘‘النشر من أجل المعرفة". وإلا، فالعلم الأحمر سيتحول إلى ‘‘علم أسود‘‘ يرفرف على كل مؤسساتنا.
الرجاء عدم استخدام هذه المقالة كمصدر لترقية علمية، فهي غير منشورة في مجلة مدفوعة، ولم يراجعها أحد، سوى ضميري!
البروفسور د.ضياء واجد المهندس
رئيس مجلس الخبراء العراقي