التعداد السكاني وطموح السياسيين

ادارة الموقع نشر في 2024-10-26 07:42:08 عدد زيارات الموضوع 277

ثائرة اكرم العكيدي /كاتبة وباحثة
شهد العراق منذ تأسيس الدولة ثماني عمليات إحصاء سيكون التعداد المقبل تاسعها فيما ينتظر المواطن العراقي سبعين سؤالاً لتكتمل قاعدة بياناته لدى الوزارة بشكل كامل..
حيث يستعد العراق لإجراء تعداد سكاني في العشرين والحادي والعشرين من نوفمبر المقبل بعد (27) عاماً على آخر عملية إحصاء جرت عام (1997) وقد أظهرت حينها نتائجه أن عدد سكان العراق يبلغ (22) مليون نسمة، لكن الاضطرابات التي عمت البلاد عقب عام 2003 أوقفت أكثر من محاولة لإجرائه.
ونص قانون أصدره مجلس النواب العراقي عام 2008 التعداد العام للسكان بأنه جميع الأرقام والبيانات المتعلقة بالنواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية للسكان، وتشمل بيانات التعليم ومستوى المعيشة والقومية والدين والسكن وبيانات أخرى، وتشكل هذه البيانات والمعلومات والأرقام أهمية بالغة لأي مجتمع من أجل التخطيط العلمي الدقيق.
وبحسب جداول موازنة 2024، خصصت الحكومة العراقية 300 مليار دينار للتعداد العام للسكان، منها 38 مليار دينار ستكون حصة إقليم كوردستان.
وأعلنت هيئة الإحصاء ونظم المعلومات في وزارة التخطيط أنها أبرمت عقداً مع 4 شركات عالمية متخصصة لإنجاز العمليات الخاصة بالتعداد العام للسكان من الولايات المتحدة الأمريكية وفنلندا وكندا والصين.
وحذر نواب من تسريب معلومات العراقيين لأربع شركات أجنبية، مشيرين الى ان التعاقد مع هذه الشركات لإجراء التعداد يعرض الأمن الوطني إلى الخطر بالاضافة الى انه هدر للمال العام كما اقترح بعضهم التعاقد مع شركات محلية لكن الوزارة قللت من هذه المخاوف مبينة إن “بيانات العراقيين محفوظة ولا يمكن تسريبها.
لقد ظلت البلاد طيلة السنوات الماضية معتمدة على الأرقام الإحصائية التقريبية الصادرة عن مؤسسات ومراكز أبحاث غير رسمية تعنى بهذا الشأن، قبل أن تصدر تقديرات وزارة التخطيط في عام 2022 بأن عدد سكان العراق بلغ أكثر من 43 مليون نسمة.
وكان العراق قد أجرى اخر تعداد سكاني عام 1987، الذي اشتركت فيه جميع المحافظات، تبعه إحصاء عام 1997 الذي أجري دون مشاركة محافظات إقليم كردستان.
وتأتي اسباب تأجيل إجراء التعداد العام في العراق سببين رئيسيين الاول الامن والثاني الاقتصاد بالاضافة الى اسباب اخرى حيث ان الأزمة التي مرت بها البلاد بسبب الحكومات المتعاقبة الغير مؤهلة وعدم وجود موازنة فضلاً عن عدم توفر المؤهلات الكافية لا سيما أن الأمر يحتاج إلى فعاليات ضخمة وكبيرة تتطلب جهودا وتحرك فرق كبيرة من العاملين تصل إلى نحو 150 ألف شخص يتجولون في عموم العراق.
يأتي إصرار بعض القوى السياسية على تضمين حقل المذهب بين سني وشيعي ومطالبة أخرى بتضمين لقب العشيرة مع بروز مطالبات بتضمين القومية بين عربي وكوردي وتركماني وآشوري، بالإضافة إلى دخول أزمة المناطق المتنازع عليها ضمن ما يعرف بالمادة 140 من الدستور العراقي بوصفها أبرز الأسباب التي أعاقت إجراء تعداد شامل في البلاد حتى الآن.
تبدو خطوات الحكومة العراقية الحالية أكثر جدية لإجراء التعداد السكاني بعد فشل جميع المحاولات السابقة ومع إقرار رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني الوثيقة الوطنية للسياسات السكانية التي تهدف للتنمية يرى مراقبون أن هذه الخطوة لا تخلو من أبعاد سياسية .
وتعمل الوثيقة على استيعاب الزيادة السكانية وتحويلها من أعباء تنموية إلى محركات تنموية فاعلة مع توفير متطلبات الحياة الأساسية .
وقد تم تحديث الوثيقة من قبل فريق مختص من وزارة التخطيط بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، وجاء بناءاً على المتغيرات التي شهدتها البلاد خلال العامين الماضيين.
هذه الوثيقة هل ستحقق تنمية شاملة في جميع القطاعات وهل ستتضمن سياسات بعيدة المدى لتحقيق العيش الكريم والرفاهية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
ومن وجهة نظر اقتصادية هل يقترن تحقيق الرفاهية المجتمعية على مختلف المستويات والقطاعات بما سيحققه التعداد السكاني من توزيع عادل للثروات على الشعب وفق ما أقره الدستور طبعا الاغلبية من المواطنين يشكون باستحالة نجاح التعداد في تحقيق هذا الهدف الأمر الذي يعني أنه سيفشل في تحقيق أي رفاهية للمواطن العراقي.
أما على المستوى السياسي، فهناك ضرورة سياسية لإجراء التعداد الذي يمكن أن يتحول إلى رسالة للأطراف الداخلية والخارجية مفادها أن حكومة السوداني نجحت في تحقيق ما عجزت عنه الحكومات السابقة حيث سيعزز من صادرات البلاد النفطية بما سينعكس على حجم ميزانية الدولة.
يرتبط التعداد السكاني بتحديد طبيعة العملية الانتخابية في العراق خاصة فيما يتعلق باختيار المقاعد النيابية الأمر الذي غالبا ما يؤدي إلى منع التعدادات من قبل بعض الأقليات المتنفذة والمحافظات ذات الكثافة السكانية المنخفضة.
هل أن إجراء التعداد يعني أن السوداني يعمل على بناء مؤسسات الدولة بشكل صحيح وهل سيعالج مستوى الفساد ويقلص حجمه في الكثير من المجالات التي تم التعامل معها وفقا للتخمينات وهل سيفرز نوعا من النشوة المجتمعية.
بكل تاكيد حتى لو تم التعداد فإنه لن يغير من خارطة الثقل السياسي في البلاد حيث أن نسبة السكان الحالية على مستوى الطوائف قريبة من الواقع ولا نعتقد أن هناك اختلافا على أن المكون الشيعي هو الأغلبية السكانية وبعده السُنة ومن ثم الأكراد والتركمان والمكونات الأخرى.
وستكون نتائج التعداد تقديرات مختلفة لوضع التركمان في المناطق المتنازع عليها لا سيما فيما يتعلق بمشكلة كركوك التي جاءت نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة فيها مُغايرة تماما لما يُقال في الواقع عن الغالبية العددية للمكونات المُسيطرة فيها.
كما يعد عدم اتفاق القوى السياسية بين الإقليم وبغداد حول آلية معينة لمستقبل ما يعرف بالمناطق المتنازع عليها وفق المادة 140 من الدستور العراقي أحد الأسباب الرئيسية التي أعاقت إجراء تعداد سكاني شامل في البلاد حتى الآن.
السؤال الاول: ماهو مصير العراقي المهجر والتغيير الديمغرافي الذي غير معالم البلاد منذ عام 2003 فضلا عن حال النازحين في المخيمات مع وجود مناطق لا يستطيع أحد الوصول إليها يضاف لكل ذلك منح أكثر من 5 ملايين شخص الجنسية العراقية.
أن جميع هذه الحيثيات تعد أسبابا كافية لنقض وإفشال ما جاءت به الوثيقة الوطنية.
بالاضافة الى ان العراق كانت لديه تجربة فاشلة عندما حاول عام 2016 إجراء مسح للعراقيين الموجودين في الخارج إذ استمر لمدة سنتين ولم يقدم بياناته سوى 500 شخص فقط..
وقد كلف هذا المسح ملايين الدولارات لدى الدولة وقتها.
السؤال الثاني: هل سيؤدي إجراء التعداد السكاني إلى حل النزاعات التاريخية حول الحق في حكم المناطق المتنازع عليها مما يدفع العديد من الأحزاب السياسية إلى الخشية من نتائجه.
السؤال الثالث: بعض العشائر العراقية تعتبر التعداد السكاني الفرصة الأنسب لإظهار حجم سكانها في إطار محافظتهم أوأقضيتهم لكن هناك عشائر وقبائل أخرى إلى التعداد السكاني على أنه غير مرغوب فيه وسيؤثر على مكانتهم من حيث العدد والنفوذ وربما سيظهرون على انهم أقلية في مناطقهم
السؤال الرابع: التعداد سيعتمد توزيع الميزانية بين المحافظات على عدد السكان لذلك سيؤدي التعداد إلى بيئة من الصراع بين المحافظات التي تحاول زيادة حصتها المالية.
بدون قاعدة بيانات قوية تسير البلاد في طريق مظلم بعيون مغلقة وستزيد من مافيها من تخبط وتخلف وتدني لجميع مؤسساتها.
أن تجنب تنفيذ التعداد السكاني يعني أن المعايير الإحصائية في العراق تقع في مجال التنبؤ، ما يؤدي إلى فشل معظم خطط التنمية الوطنية، كونها غير موثوقة بناء على البيانات المقدرة..

مواضيع قد تعجبك